ستة أيام في لبنان -24- من نفق «حزب الله»…ونية تحويله إلى رمالنا

تحملنا الكاتبة والصحفية بديعة الراضي في حلقاتها الرمضانية إلى ربوع لبنان، ذلك البلد البعيد عنا جغرافيا لكن علاقات ممتدة في الفكر واللغة والتعدد الثقافي تربطنا به، بمشترك قوي عمَّقته عوامل تاريخية استطاعت أن تذوب الجغرافيا، بين مغرب يقع في نقطة هامة واستراتيجية في القارة الإفريقية، وبين لبنان يقع في غرب القارة الآسيوية، بتنوعه الثقافي والسياحي ونسيجه الاجتماعي المتنوع الذي يتبلور ليشكل كيانا متلاحما ومختلفا في نفس الآن…   

 

وصلنا مليتا، بعدما قطعنا مسافة نحو قمة الجنوب، كان المشهد البانورامي ينسيك جماله ليذكرك أن وراءه يوجد عدو احتل الأرض بالقوة، وتوسع في جميع الاتجاهات حتى رسم خرائط جديدة لتمديده، التي يبدو أن فعل الزمن السيء يتيح له إعادة التفكير في مشروعها الذي وصل يوما دجلة والفرات.
وبدت لي مليتا، وهي البلدة الصغيرة الواقعة على تلة في جنوب لبنان، تحمل أسئلة مختلفة بالنسبة لي، لكن ما استجد لدي، هو حرقة سؤال علقني من قفاي وأنا أشد الرحال إلى هذه اللبنان من شمالها إلى جنوبها، باحثة عن الأسباب التي جعلت هؤلاء المحسوبين على جزء منها، يتركون البندقية موجهة إلى صدور أبنائهم وطبعا نسائهم وشيوخهم، في هذا الجنوب المفتوح على خطوط النار والدمار، ليذهب بهم تفكيرهم إلى جنوبنا، رمالنا ترابنا الذي نملك فيه النفس الطويل من أجل عدالة قضية، ضحينا فيها بدماء أبنائنا، واقتطاع خبزنا ورغيفنا اليومي، عاقدو العزم وعاقدات على مواصلة النضال من أجل الوحدة في الخيارات التي حددنا سقفها بجهوية موسعة، وحكم ذاتي، وبانفتاح جنوبنا على جنوب يمتد نحو فضائنا الإفريقي بالتنمية، بالعدالة، بالكرامة، والعيش المشترك.
لا أخفيكم قرائي أنني أقدر هذه المقاومة، في الجانب المشترك بيننا تجاه العدو الإسرائيلي، ونفس الهم الذي نتقاسمه إزاء القضية الفلسطينية التي مازال شعبنا الفلسطيني يناضل فيها من أجل التحرير، كما أقدر، وبنفس الزمن النفسي، ما تذكرني به ميلتا من مشاهد لبطولة هؤلاء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل أن يظل الجنوب شامخا في وجه الغطرسة الإسرائيلية محدثا قلقا كبيرا لمن يعتقدوا أن فلسطين ستصبح يوما من التاريخ.
وأنا أكرر الصور في ذهني وأعلن تقديري، تذكرت يوم سقوط مجموعة من الجنود المغاربة في ساحة حرب6 أكتوبر التي دارت بين مصر وسوريا من جانب وإسرائيل من الجانب الآخر، سنة 1973، لاسترداد شبه جزيرة سيناء والجولان، بعد احتلالهما في حرب1967 من طرف الإسرائيليين، كما تذكرت ما رواه محمد لومة خريج الكلية الحربية السورية لأحد المواقع، كون « الآلاف من الجنود المغاربة كانوا يرابطون بهضبة الجولان تحديدا، فأخذوا أماكنهم في الخط الدفاعي الثاني، على السفوح الشرقية لمرصد جبل الشيخ، مما كلف الجنود المغاربة خسائر بشرية هامة». والأساسي في ذلك أن الجيش المغربي «تم الإيقاع به في»ثغرة»، كان وراءها اللواء السوري حلاوة ذو الأصل الدرزي، عندما دخل في صفقة مع الإسرائيليين، وفتح بموجبها «ثغرة» بالليل لهجوم صامت من أجل اختراق الصفوف السورية، فكانت الضربة القاضية للمغاربة، الذين فوجئوا، فسقط منهم عدد من القتلى والجرحى، وهكذا (يضيف لومة) أصبح الهجوم صاخبا بعدما تم استعمال الدبابات، المدفعية، والرشاشات الثقيلة، غير أن الجيش السوري استطاع مواجهة الموقف، وأعدم في اليوم الموالي القائد حلاوة الذي كان يراقب الحرب حينها من لبنان من موقعه كقائد عسكري لقطاع العرقوب التابع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين».
واستحضرت ذاكرتي هذه الخيانة الكبرى، من شخص أو تنظيم، لكنها خيانة، لم تزدنا إلا شرفا أن أبناء المغاربة ذهبوا إلى هناك وسقطوا شهداء من أجل عدالة القضية، في الوقت الذي يسمح فيه جزء أو كل من «حزب الله «أن يناور ويندس أويشارك، أو ينضم إلى وسط خصوم وحدتنا الترابية لضرب عدالة قضية المغاربة الأولى.
وأنا أستحضر كل هذا، توقف محمود في المرآب الخاص بالسيارات ل»معلم مليتا للسياحة الجهادية»، الذي شيدته المقاومة على موقع مليتا العسكري، أحد القواعد العسكرية السابقة للعمل المسلح في لبنان أو الجناح العسكري لحزب الله.
وبكل صراحة، لم يكن يهمني من الموقع لا جبله ولا مسرحه الذي خصص لخطب نصر الله، بل الذي كان يهمني هو ذلك «النفق» الذي زرته-علما أني وقفت ترحما على كل شهداء المقاومة داعية لهم بالرحمة، وأن يسكنهم الله فسيح جناته، متبركة بدمائهم الزكية التي مازالت أرواح الشهداء فيها شاهدة على تضحياتهم الجسام- وهو النفق الذي خيل لبعض تجار المآسي أن ينقلوه إلى جنوبنا، ليحولوه من النفق الذي دس تحت الجبل في مكان بقضية سامية، إلى خطة في ترهات مجموعة هاربة فوق تراب تندوف الجزائرية، أوحى لها عقلها المريض بوضع «خطة “المظلة الصامدة” عبر حفر أنفاق في المنطقة العازلة بإشراف خبراء من «حزب الله» الذي تحول اليوم من رمز في نفوس البعض منا، ممن صدقوه، ورفعوا صور زعيمه في شوارع الرباط دفاعا عن مشتركنا في نصرة القضايا العادلة، والحال أن البعض من هذا الحزب أو كله أوبعض النافذين فيه تحول إلى مكلف بمهمة لدى الدوائر التي تريد أن تبحث عن منافذ للتوغل في الساحل والصحراء، باعتباره منفذا حقيقيا في نشر فوضى من نوع آخر!

انتهى


الكاتب : بديعة الراضي

  

بتاريخ : 14/06/2018

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *