عبد الرحمان اليوسفي:المثقف والسياسي

لم يكن الفقيد الوطني عبد الرحمان اليوسفي رجل سياسة استثنائيا فقط، فقد انشغل طيلة مساره النضالي ، وعكس الكثيرين من رجال السياسة ببلادنا، بالسؤال الثقافي إيمانا منه بان الثقافة هي ما يصنع الإنسان والحضارات. لذا كان حريصا على حضور التظاهرات الثقافية وتحريك العديد من ملفات الثقافة ووضع الفنانين والمثقفين حين تحمل المسؤولية الحكومية. ولأنه السياسي ،الإنسان، المثقف، فقد ترك رحيله بالغ الأسى في نفوس كل أطياف المجتمع ومن كل المجالات.

المفكر محمد سبيلا: نعيش اليوم انقراض نوعية نادرة من الساسة المثقفين النزهاء الذين يشكلون رصيدا تاريخيا لشعوبهم

«برحيل الفقيد سي عبد الرحمان اليوسفي، نعيش اليوم انقراض وخسوف نوعية نادرة من الساسة المثقفين النزهاء الذين يشكلون رصيدا تاريخيا لشعوبهم».
هكذا عبر بحزن وألم مضاعف المفكر والفيلسوف المغربي محمد سبيلا عن رحيل آخر الرجال المحترمين: الزعيم عبد الرحمان اليوسفي الذي غادرنا أمس إلى دار البقاء بعد مسيرة وسيرة من النبل السياسي والنقاء الأخلاقي.
واعتبر محمد سبيلا أنه وجيله من المفكرين والمثقفين المغاربة عايش ظهور الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ومن بين شخصياته المتميزة كان سي عبد الرحمان اليوسفي الذي تميز دائما بنوع من الحكمة والصمت، بعيدا عن بهرجة الأضواء.
ويستعيد سبيلا حكمة الراحل وتبصره رغم أن فترة الاستعمار وما تلاها كانت متوترة بحكم الصراعات التي ظهرت بعيد الاستقلال، حيث عرف بكونه كان حكيما في كل القرارات ولم يكن مندفعا قط.
وأضاف سبيلا أن ما يميز شخصية فقيدنا عبد الرحمان اليوسفي هو جمعه بين السياسة والثقافة عكس الكثير من رجال السياسة الذين لا يهتمون بالثقافة، وهذا تقليد في تاريخنا السياسي خاصة في مرحلة الاستقلال، إلا أنه، يضيف، في شخصية سي عبد الرحمان اجتمع الاثنان، فكان مثقفا ذا مستوى فكري، خزان معلومات وصاحب قدرة على التحليل وللتفكير واستخدام العقل، إلا أنه يضيف سبيلا، كان خاضعا للشرط السياسي الذي تفرضه المسؤولية أي التكتم، إلا أنه بعد توليه مسؤولية الوزارة الأولى في فترة التناوب التوافقي تبينت للجميع ثقافة الرجل الواسعة، وتبين أنه محلل ومخزن للثقافة بالمعنى الحقيقي للكلمة، وأنه ذو ثقافة مزدوجة متميزة بقاموسها العربي والفرنسي.
بعيدا عن السياسة والثقافة، أكد محمد سبيلا أن الزعيم عبد الرحمان اليوسفي تميز دائما بخلقه ومثاليته، وعدم تورطه في المناوشات الصغيرة أو الممارسات الانتهازية . ورغم أنه تواجد في مواقع مؤثرة ومفتاحية، إلا أنه لم «يتكسب ولم ينهب، بل ظل نموذجا للسياسي النظيف رغم أن النظافة أصبحت عملة نادرة اليوم».
واعتبر سبيلا أننا كمغاربة نعيش اليوم حدثا تاريخيا مفصليا كبيرا لأننا نودع جيلا بل أجيالا بكاملها صنعتها فترة الاستعمار كفترة تاريخية موجهة صنعت أناسا طبعوا مرحلة الاستعمار والمرحلة الأولى للاستقلال، ما يضعنا أمام انقراض نموذج من السياسيين الزعماء الذين سنفتقدهم مستقبلا.
وختم محمد سبيلا شهادته بأن الفقيد عبد الرحمان اليوسفي، مهندس التناوب التوافقي، من أواخر هذا الجيل من الزعماء الذين صنعهم الحدث الكبير: الاستعمار والاستقلال، وشكلوا نموذجا من الفكر والسياسة والاستقامة الأخلاقية.

محمد بودويك: الراحل استعمل كل ما له من نفوذ فكري ومعنوي وسياسي لإنقاذ البلاد

اعتبر الناقد والشاعر محمد بودويك أن رحيل المناضل الكبير سي عبد الرحمان اليوسفي، هو رحيل أستاذ من عيار كبير بكل مقاييس الكبر، رجل نذر كل حياته لخدمة الوطن والإنسان فتعرض بسبب ذلك لكثير من المحن منذ الستينات قبل أن يكتشف المسؤولون، متأخرين، أن الرجل لم يكن يريد إلا مصلحة البلاد ووضعها على سكة الديمقراطية والحداثة وخدمة الإنسان بما يليق به من عيش كريم ووضع يتمتع فيه بما يحبل به هذا الوطن من خيرات ومن ثروة لم تكن توزع بعدالة.
ولفت محمد بودويك إلى أن الراحل المجاهد عبد الرحمان اليوسفي، إلى جانب رجال مخلصين، قاوم كل المثبطات ليخرج المغرب من عنق الزجاجة مباشرة بعد الاستقلال الذي عمل الفقيد اليوسفي على بنائه لبنة، لبنة.
اصطدم الراحل، يضيف بودويك، بكثير من العناد السلطوي وكثير من الدسائس من الذين كانوا يتوجسون خيفة منه، طمعا في الاستفادة من المغانم والذين وقفوا سدا منيعا في وجه خطابه وفكره ومواقفه النضالية المشهودة، مفبركين ضده الكثير من الأكاذيب والاتهامات، وهو ما اضطره مرغما إلى الابتعاد عن الوطن رغم أن انتماءه إليه ظل موصولا، شعوريا وتنظيميا، من خلال اطلاعه ومتابعته لأحوال الوطن والمواطنين.
ولأن الرجل من عيار ثقيل ونادر في السياسة، فقد كانت صدقيته ومواقفه دافعا للعديد من المخلصين ومن رؤساء الدول أيضا، للتمهيد لعودته ومن ثم خوضه أول تجربة للتناوب التوافقي فكان أول يساري مغربي يقود تجربة هذا التناوب في محاولة لطي صفحة الماضي الصدامي، وهي الفترة التي قاد فيها الزعيم الراحل، عبد الرحمان اليوسفي، مرحلة الانتقال الديمقراطي بحكمته وحنكته فكان انتقالا سلسا أدهش الجميع.
ويضيف محمد بودويك أن مكانة الراحل وكاريزماه كانت السبب في تراجع العديد من دول أمريكا اللاتينية عن الاعتراف بجمهورية الوهم، وبالتالي أعاد الأمور الى نصابها وهذه نقطة تحسب للرجل إلى جانب كونه أنقذ المغرب من سكتة قلبية كانت وشيكة بسبب تداعيات سياسة التقويم الهيكلي على المغرب والمغاربة، بفضل اعتماده على قاعدة صلبة من المستشارين الاقتصاديين والديمقراطيين، حيث استعمل الراحل كل ما له من نفوذ فكري ومعنوي وسياسي لإنقاذ المغرب.
وختم بودويك شهادته في حق أيقونة النضال المغربي بأن «سي عبد الرحمان يحسب له شرفه ونكران الذات وعدم تهافته على المال وهي صفات تكتب بمداد من ذهب في سجله»، صفات جعلته يدخل التاريخ من بابه الواسع لتتذكره الأجيال القادمة بكل فخر لأنه رجل استثنائي من عيار ثقيل.

مراد القادري، رئيس بيت الشعر بالمغرب:
الفقيد كان له الفضل في إقرار اليوم العالمي للشعر

«نشعرُ في بيت الشعر في المغرب، كما يشعُر كل  الشعراء و المثقفين
والكتاب والحقوقيين والفاعلين السياسيين الشّرفاء وعمومُ الناشطين في مجال الفنّ والثقافة، بحزنٍ كبير لوفاة المناضل التقدمي الكبير السي عبد الرحمان اليوسفي، الذي غادرنا إلى دار البقاء صباح هذا اليوم.
فالرجل، قامة وطنية وسياسية كبيرة، طبعت مسار المغرب في عهد المقاومة والاستعمار، كما في عهد الاستقلال بمواقف وطنية مشرفة. عمل، من عدة مواقع وعلى مدى عمر مديد، على إرساء مجتمع حداثي ديمقراطي طموحٍ إلى تثمين الإنسان المغربي وصون كرامته وضمان حقه في العيش الحر والكريم.
نذكرُ له في بيت الشعر في المغرب الكثير من الأيادي البيضاء على هذه المؤسسة الثقافية المدنية المستقلة، لعلّ من أبرزها مساندته لطلبنا الموجه إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم ( اليونيسكو) بإقرار يوم عالمي للشعر. فقد تفاعل، إيجابيا، مع هذا الطلب وقام بتبنّيه وجعله طلبا رسميا للدولة المغربية.
كما نذكرُ له دعمَه الكبير لإقامة المهرجان العالمي للشعر بمدينة الدار البيضاء و حرصه على حُضور مراسيم افتتاح بعض الدورات، مما يُعدّ انتصارا للشعر و للإبداع، وهو الأمر، الذي للأسف، لم نرصده لاحقا لدى رؤساء الحكومة المتعاقبين.
عزاؤنا واحد في هذا الفقد الكبير. رحم الله الفقيد بواسع رحمته…
و إنا لله وإنا إليه راجعون.

الشاعر العراقي حميد سعيد :
سيبقى أستاذنا اليوسفي، حاضرا في تاريخ شعبه وأمته العربية

حين يرحل المناضل التاريخي عبد الرحمن اليوسفي، فإن هذا الرحيل يثير في النفوس الأسى بقدر ما يثير فيها من الفخر بإنسان كان أحد كبار شهود زمن العطاء والأمل، ليس في وطنه المغرب حسب، وقد أعطاه مع إخوانه ورفاقه من جيل المؤسسين الكبار، كل ما يمكن للوطني الغيور أن يعطيه، بل على امتداد الوطن العربي، مشرقا ومغربا، إذ كان له حضوره في جميع معارك الاستقلال والحرية التي شهدتها أمتنا العربية في هذه المرحلة الاستثنائية في تاريخها، وكان اسمه حاضرا في أوساط المكافحين الذائدين عن الحق والكرامة والحرية، في أكثر من قطر عربي، يشاركهم في ما هم فيه ويمدهم بما توفر عليه من خبرة المجاهد الصامد ووعيه وصبره وعزيمته.
وكرس رحمه الله، مع الباذلين من صحبه، المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد ومحمد البصري مع من عاصرهم وسار على خطاهم، روح التواصل مع المشرق العربي، فرسخوا جوهر العروبة ، موقفا حضاريا إنسانيا، يهدف إلى التحرير وكرامة الإنسان.
وسيبقى الراحل الكبير أستاذنا اليوسفي، حاضرا في تاريخ شعبه وأمته العربية، ومعلما يشير دائما إلى المستقبل وتجاوز الانكفاء والتراجع.
لأسرته الكريمة أصدق مواساتنا ولرفاقه في قيادة الاتحاد الاشتراكي وفي قواعده ، وجميع محبيه .

ثريا جبران: غادرنا في واحدة من اللحظات الصعبة التي نحتاج فيها إلى حكمته،

الصديقة العزيزة
السيدة هيلين اليوسفي
تحية المحبة والتقدير
وبعد،
يطيب لي أن أتوجه إليك، ومن خلالك إلى أفراد أسرتك الفاضلة بأصدق التعازي في وفاة رفيق دربك، المجاهد الرمز الأخ والصديق والأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الذي وافته المنية في واحدة من اللحظات الصعبة التي نحتاج فيها إلى حكمته، وإلى ما تمثله سيرته من روح الكفاح الوطني منذ معارك المطالبة بالحرية بالاستقلال إلى معارك بناء صرح الديمقراطية والتقدم.
إنني أشاطرك ما تشعرين به اليوم من ألم الفقدان وفداحته، وبالنسبة إلي فقد فقدت فيه، رحمه الله، الأخ والصديق الذي كان من المساندين لتجربتنا في مسرح اليوم، ومن الداعمين لتجربتي في وزارة الثقافة. لكنني أقدر مثلك أن هذا الفقدان ليس فقط خسارة لأسرة صغيرة، أو لحزب أو لكتلة سياسية، أو لفناني هذا البلد ومثقفيه الذين سيظلون يذكرون فضائله منذ بادر في حكومة التناوب بفتح أوراش الإصلاح، وضمنها البدء بإصلاح أوضاع الثقافة والفن ببلدنا الأمين.
الفقدان، يا سيدتي، خسارة لوطن يواصل، بثبات وبحكمة، معركة بناء الديمقراطية بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله. ومن ثم الحاجة إلى أن يكون بيننا اليوم ودائما، تماما كما هي حاجة الوطن إلى الشرفاء المخلصين من أبنائه. ومع ذلك نحمد الله، ونرضى بمشيئته سبحانه وتعالى، مستحضرين بفخر واعتزاز معالم سيرته النقية ونزاهته وسمو أخلاقه، ونرى في ذلك أثمن الوصايا وخير العزاء لك، ولكل رفاقه وللأجيال التي عايشت مساراته، وتلك التي ستقرأها منقوشة في صفحات التاريخ المجيد لمغرب المستقبل.
رحمه الله وأسكنه فسيح الجنات، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الصديقة هيلين.
معك في هذا المقام الصعب.
إلى اللقاء.


بتاريخ : 01/06/2020