فيلم «الجوكر».. كيف يأخذنا التنمر إلى أن نصبح وحوشًا

تجاوزت إيرادات فيلم «الجوكر» 500 مليون دولار في فترة قصيرة تصل إلى عدة أسابيع

 

مسألة الفيلم هي أهم ما يمكن أن يقوله. هذا ما أدركه صناع «الجوكر» جيدًا، طرحوا تساؤلات عديدة عن أثر التنمر على شخصية الإنسان العادي، تساءلوا عن الازدواجية التي تحملها النفس البشرية التي ألهمها فجورها وتقواها، وكيف تتحول من الخير الخالص للشر النقي!
إيرادات خيالية حققها «الجوكر» حيث تجاوزت إيرادات الفيلم 500 مليون دولار في فترة قصيرة تصل إلى عدة أسابيع. الفيلم الذي قدّرت ميزانيته الصغيرة نسبيًا بـ55 مليون دولار فقط استطاع أن يحجز لنفسه مكانة مميزة بين الأفلام التي تصدرت شباك التذاكر، وكذلك بين الأفلام التي لاقت آراءً إيجابية من النقاد والجمهور!
أتى «الجوكر» من إنتاج وارنر برذرز بيكتشرز ودي سي فيلمز، سيناريو وحوار تود فيليبس، وكذلك من إخراجه، ومن بطولة خواكين فينيكس وروبرتو دي نيرو وزيزي بيتز وفرانسيس كونروي.
يتطرق الفيلم إلى مناطق نفسية غائرة ربما لم يعرض بعضها حلال شاشة السينما قبل ذلك، لذلك لا ينصح به لمن يعانون من اضطراب أو مرض نفسي على الإطلاق، ولا ينصح بالتوحد مع آرثر، ذلك الذي تختلط عنده الحقيقة بالكذب.
عبر رحلة حياة إنسانية غامضة يخوضها آرثر تأخذنا مشاهد الفيلم شديدة العذوبة، توضح لنا تقلبات النفس البشرية وكيف يدفعها سوء المعاملة وعدم الاهتمام إلى ما لا تحمد عقباه.
معاملة شديدة السوء والقبح يتلقاها آرثر من كل المحيطين به. زملاؤه في العمل يعاملونه بمنتهى الدونية، المجتمع ينبذه، حتى طبيبته النفسية ترى فيه مجرد حالة تعاملها بقسوة، فقط بالروتين المهني وليس بما يميله عليه ضميرها المهني كطبيبة نفسية تتعامل مع كل حاله بروح الطب قبل قوانينه المعقدة عبر 7 أدوية اكتئاب!
بداية من طفولته يرفض أبوه الاعتراف به، يتخذ من أمه التي تعمل لديه مجرد غانية لا يلزمه بعد ذلك أن يعترف بأخطائه معها، يكره المدارس والمجتمع، يتجه إلى مهنة المهرج بوصفه كليشية شهير للرجل الذي يضحك البشرية بينما هو مثقل بالهموم، تدفعه كل تلك العوامل لأن يتحول إلى وحش قاتل لا يعرف الرحمة، لكنه ضحية!
ضحية فريدة من نوعها، تتعاطف معها أحيانًا، وأحيانًا تكرهها بكل ما أوتيت من قوة، تلك هي معضلة الفيلم، الأداء المميز لخواكين فينكس يجعلك تتماهى مع الشخصية تمامًا، ينسيك عيوب السيناريو ليدفعك إلى التركيز في الأداء التمثيلي المبهر!
ضحكة خواكين فينكس الغرائبية والتي ستصنف على أنها من أيقونات السينما لا تخلو من الوجع والبكاء، وكأنها تلك الضحكة التي تحدث عنها المتنبي فقال «ضحك كالبكا»، تلك الضحكة التي قوبلت من بعض جمهور الفيلم بالضحك دليل دامغ على أن البعض يسخر من كل وأي شيء، وأن البعض الآخر مصلب بمرض آرثر دون أن يشعر، ولكنها في كل الأحوال دليل على أدائه التميزي في دور أقل ما يقال عنه أنه صعب.
مشكلة عصر السوشيال ميديا أن كل شيء أصبح سريعًا، لذلك فإن كل ما يستغرق وقتًا طويلًا أو جهدًا نفسيًا أصبح من الرفاهيات، الاهتمام بالمشاعر أصبح رفاهية، ربما تلاقي ذلك من شريك حياتك، لا قواعد تحكم اللعبة، الكل لا يجد من يستمع لمشاكله وهمومه ومخاوفه، الكل يسخر من الكل، لينتهي الحال من الطيبين إلى أشرار يحملون سلاح كرههم في وجه المجتمع!
يدق الفيلم ناقوس الخطر، يخبرنا أن نهتم بمشاعر من نحب ولا نقول ما يؤذي، ينبع الاهتمام بمن نحب من اهتمامنا بأنفسنا، لا بأس في تأمل سماء تشرين الغائمة بصحبة كوب من القهوة الساخنة طالما سيجعلنا نعيد التفكير فيما قلناه تحت وطأة الغضب!


الكاتب : محمد محمود

  

بتاريخ : 09/11/2019