فيلم «ولد في سوريا» رحلة الهاربين من الجحيم

أراد المخرج الإيطالي هيرنان زين، المختص بالوثائقيات حول معاناة الشعوب، ومن أبرزها «ولد في غزة» (Born In Gaza)، تسليط الضوء على قضية المهاجرين السوريين الذين لا يتم تسليط الضوء عليهم بشكل كاف بحسب هيرنان زين، فقدّم فيلم «وُلد في سوريا» (Born In Syria) الذي يتناول بشكل أساسي رحلة سبعة أطفال، من ضمن آلاف المهاجرين، عاشوا ومرّوا بظروف مختلفة خلال رحلتهم من سوريا إلى ألمانيا، والمعاناة التي واجههوها أثناء رحلتهم الشاقة.

الدقائق الثلاثة الأولى من الوثائقي تظهر قيام مجموعة من الشبان والناشطين بإنقاذ قوارب لمهاجرين سوريين في جزيرة قرب اليونان. ثم يبدأ الوثائقي بعرض تجارب الأطفال السبعة كل على حدة. قيس ابن العشر سنوات الذي تعرض لتشوه كبير بعد إلقاء برميل متفجر على منزل والديه في سوريا أدى إلى مقتلهما، وقد اصطحبه عمه عبر البحر إلى أوروبا بدون أن يخبره بموت والديه. أراسولي ابن الـ13 سنة الذي دفع والداه آلاف الدولارات للمهربين ليعبروا بهم عبر البحر إلى الأراضي اليونانية، إضافة إلى أربعة أطفال آخرين.
وصل آلاف المهاجرين السوريين في العالم 2015 إلى اليونان عبر البحر، وكانت ألمانيا هي حلمهم المنشود، وهي الجنة التي يبحثون عنها. انتقل المهاجرون الفارين من الموت من اليونان إلى المجر، حيث عاشوا لأشهر في مخيمات لا تتوفر فيه أبسط الإحتاجات الإمسانية والخدمات الطبية، وكان المهاجرون يبقون لعدة أيام بدون طعام، كما لم يسلموا من مداهمات الشرطة المجرية التي كانت تستخدم العنف ضدهم. عن هذه المرحلة يقول مروان (13 سنة) وأحد أبطال الوثائقي السبعة: «كنت أعتقد ان الوصول إلى اليابسة بعد رحلتنا المرعبة في البحر ستكون نهاية المشاكل، ولكن يبدو أنها كانت بداية لمشاكل أكبر».
في سبتمبر 2015، اتخذت أنجيلا ميركل قرارًا تاريخيًا، حيث وافقت على استقبال اللاجئين في ألمانيا، وتأمين مخيمات لهم تتضمن متطلبات الحياة الكريمة، وانتقدت تقاعس معظم الدول الكبرى عن قيامها بدورها الإنساني. وقد أصبحت ميركل على إثر القرار بطلة في عين المهاجرين الذين علقوا في منتصف الطريق وكان المستقبل قاتمًا أمامهم، وأطلقوا عليها لقب «ماما ميركل». تلقى آلاف المهاجرين الخبر بينما كانوا في المجر بفرح شديد، وقد عملت المجر على تسهيل أمورهم وتحسنت المعاملة معهم بشكل واضح بحسب شهادات الأطفال.
بعد المجر انتقلت قافلة المهاجرين إلى كرواتيا ومنها إلى صربيا. أكثر من 44 مهاجرًا ينامون في العراء ويمشون عشرات الكيلومترات يوميًا متطلعين نحو خلاصهم. حلم الوصول إلى ألمانيا كان يبدو أقرب أكثر فأكثر بالرغم من كل الصعوبات. آلام المعدة الحادة كانت تصيبهم بسبب البرد وعدم توفر الطعام. الأحذية التي كان ينتعلها الأطفال كانت تضيق على أقدامهم بعد مضي أشهر طويلة على رحلتهم. في شتاء 2015-2016 كانت الثلوج تغطي أوروبا وعظام المهاجرين تصطك من البرد. انتقل الهاربون بالقطار إلى النمسا في محطتهم الأخيرة قبل ألمانيا. أعلنت النمسا أنها لا تستطيع تأمين حاجيات المهاجرين مع العلم أنهم لن يبقوا فيها إلا لأيام قليلة! الناشطون النمساويون والجمعيات الإنسانية قدمت الألبسة والهدايا للأطفال، وتم توزيع حصص غذائية.
وصل القسم الأكبر من «الهاربين من الموت» بحسب تعبير ميركل، والتي اعتبرت أن مأساتهم هي أفظع ما تعرضت له البشرية منذ الحرب العالمية، إلى ألمانيا، فيما تولت بلجيكا استقبال قسم منهم، مع العلم أن المئات قضوا خلال الرحلة غرقًا وجوعًا ومرضًا. شرع الذين قدِّر لهم الوصول بإجراءات «لم الشمل» لإنقاذ ذويهم العالقين في سوريا، أو المبعثرين في مخيمات الشتات. سيُسجل التاريخ لأنجيلا ميركل موقفها التاريخي، فيما سيلاحق العار كل من ساهم في استمرار معاناة الشعب السوري، والتي لم تنتهِ حتى يومنا هذا.


الكاتب : أحمد خواجة

  

بتاريخ : 17/08/2019