في افتتاح أشغال الدورة الرابعة للمنتدى البرلماني المغربي الإسباني : المالكي يؤكد أن التحديات التي يواجهها البَلدان تفرض الانتقال من الحوار والتنسيق إلى إعمال سياسات مشتركة

الإرادة السياسية والعمق الثقافي والتاريخي رافعة أساسية لعلاقات اقتصادية موسعة وشاملة

 

أكد الحبيب المالكي، في افتتاح أشغال الدورة الرابعة للمنتدى البرلماني المغربي الإسباني، أن هذا المنتدى يشكل إحدى آليات الحوار المؤسساتية التي تساهم في تعزيز العلاقات الممتازة بين المغرب وإسبانيا، وأيضا في استشراف آفاق جديدة للتعاون، وتقديم الاقتراحات التي من شأنها إضفاء طابع الاستدامة على جودة الروابط القائمة بين البلدين منذ قُرون.

وشهدت العاصمة الإسبانية مدريد، يوم أمس، إنطلاق أشغال هذه الدورة التي تستمر على مدى يومين حول « السياسة والأمن «، و» التعاون الاقتصادي «، و»التنقل والهجرة « و»التعاون الثقافي « بمشاركة وفد مغربي هام يقوده رئيسا مجلسي النواب والمستشارين الحبيب المالكي وحكيم بنشماس.
ويقود الوفد الإسباني في هذا المنتدى، رئيس مجلس الشيوخ بيو غارسيا إيسكوديرو، ورئيسة مجلس النواب أنا باستور.
وفي كلمته الافتتاحية شدد رئيس مجلس النواب على أن العلاقات بين البلدين ترتكز على عمق تاريخي بشري وثقافي ثري وعلى إيمان مشترك بقيم إنسانية نبيلة ما أحوجنا إليها اليوم في سياقات تميزها نزعات التشدد والتعصب والانطواء والانفصال والقوميات الضيقة وكراهية الآخر. معتبرا أن المغرب واسبانيا، نموذجا ليس فقط لحسن الجوار ولكن لجوار آمن تُكرسه الثقة قبل المصلحة، والتوجه إلى بناء المستقبل المشترك على أساس قراءة إيجابية متفائلة.
وقال المالكي إن المغرب وإسبانيا يتقاسمان القناعة نفسها، بأن التحديات التي تواجههما معاً والمتمثلة في العنف والإرهاب والتشدد، والهجرات والنزوح غير القانونيين، وتداعيات النزاعات الإقليمية والداخلية في منطقتي الشرق الأوسط وجنوب حوض المتوسط، وتفاقم نزعات وخطابات الانفصال، وتدهور البيئة وتداعيات الاختلالات المناخية، تفرض الانتقال من الحوار والتنسيق إلى إعمال سياسات مشتركة، واعتماد مواقف موحدة في المحافل الدولية.
فالمغرب وإسبانيا، يضيف رئيس مجلس النواب، يتوفران على ما يكفي من المؤهلات والأسباب التي تيسر في هذا التوجه المشترك وهذا التطابق في التعاطي مع العلاقات الدولية والمعضلات التي يواجهها العالم. فكلاهما يشكل بوابة القارة التي ينتمي إليها إلى القارة الأخرى، وهما معا يشرفان على واحد من أهم الممرات البحرية الاستراتيجية في العالم، كما أنهما يتقاسمان إحدى اللغات العالمية الغنية بالإبداع والجمال والأفكار هي الإسبانية التي تشكل جسر تثاقف»Acculturation «وحوار بين الشعبين، وبين النخب في البلدين.
كما أكد رئيس مجلس النواب أن من رهانات هذا المنتدى البرلماني أن يشكل أداة حوار وتوطيد لعلاقات البلدين واستشراف ما ينبغي أن تكون عليه هذه العلاقات، ففي السياسة كما في الأمن، يواجه البلدان تحديات مشتركة، فكلاهما استهدف غير ما مرة من طرف الجماعات الإرهابية ومن مصلحتهما تعزيز التنسيق الأمني وتبادل المعلومات لدرء التهديدات الإرهابية. وكلاهما يعتمد الحزم نفسه، والصرامة نفسها والتصميم ذاته من أجل التصدي لمخاطر الانفصال الذي يعتبر تحديا استراتيجيا خطيرا، لا تتوقف طموحاته ولا تنحصر في كيان دولتي» Etatique «واحد. وفي المقابل فإن كلا من اسبانيا والمغرب يعمل على ترسيخ الجهوية واللامركزية تكريسا لديمقراطية القرب والمشاركة السياسية، ولئن كانت الممارسة الاسبانية في هذا المجال بلغت مستوى كبيراً من النضج، ما يجعلها نموذجا أوروبيا وعالميا يحتذى به، فإن المغرب بصدد ترسيخ النظام الجهوي إيمانا منه بفوائده التنموية والسياسية، وفي تقوية الوحدة الوطنية. وقد اعتمد لهذا الغرض ما يلزم من تشريعات ونصوص تنظيمية لجعل نظامه الجهوي ناجعا وراسخاً وَميَسِّراً للازدهار وللحقوق.
كما ذكر المالكي بأن اسبانيا تعتبر أول شريك تجاري للمغرب وثالث مستثمر في المملكة. وبالتأكيد، فإن الفرص والإمكانيات المتوفرة بالمغرب والآفاق التي يفتحها توجهه الإفريقي، لا تزال غير مستغلة على النحو المطلوب كما هي غير مستغلة على النحو المطلوب، فوائد القرب الجغرافي والجوار الآمن.
وبخصوص موضوع الهجرة وتنقل الأشخاص، وهو تحد مشترك بالنسبة للبلدين معاً اللذين يتميزان بكونهما مجتمعين دامجين، يحسنان استقبال الآخر، اعتبر المالكي أن الأمر يتعلق بتقليد تاريخي في بلدين كانا دوماً بلدا هجرة وعبور، فالهجرة تستفز ضمائرنا بمجموعة من الأسئلة ذات الصلة بأسباب وجذور الظاهرة وتطرح سؤال المسؤولية المشتركة للمجموعة الدولية في إيجاد حلول لها، وفي تثمين فوائد الهجرة. مضيفا أنه على غرار ما تقوم به اسبانيا منذ سنوات، ينفذ المغرب منذ 2013 عمليات إدماج للمهاجرين غير القانونيين ويعتمد سياسة هجروية تتوخى الإدماج الاجتماعي والاقتصادي انطلاقا من التزاماته الدولية والأخلاقية وواجبه الإنساني. وتقديرا لهذه السياسة وللمقاربة المغربية لإشكالية الهجرة، اختار الاتحاد الإفريقي جلالة الملك محمد السادس رائدا للاتحاد في موضوع الهجرة.
من جهة أخرى قدم رئيس مجلس النواب عرضا تقديميا للمحور المتعلق بالتعاون الاقتصادي، حيث أكد أن العلاقات بين المغرب واسبانيا أكبر من أن تختزل في الاقتصاد، كما أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين تتوفر على كل الأسباب والظروف الموضوعية التي تؤهلها لتكون أوسع وأخصب وأعمق.
وأضاف المالكي أن القرب الجغرافي وتوفر التجهيزات الأساسية (الموانئ) والوسائل اللوجستيكية، تنضاف إلى الإرادة السياسية القوية والعمق الثقافي والتاريخي للعلاقات الثنائية التي تيسر تطوير العلاقات الاقتصادية. وأكثر من ذلك فإن هذه العلاقات مؤطرة بالعديد من الاتفاقيات والبروتوكولات بين البلدين.
وفضلا عن ذلك فإن دينامية القطاعين الخاصين في البلدين تعتبر رافعة للارتقاء بعلاقاتنا إلى مستوى أعلى، حيث تمثل مبادلات السلع والخدمات والرساميل مع إسبانيا نسبة %10 من الناتج الداخلي الخام في المغرب، وفي مجال الاستثمارات تتواجد بالمغرب 800 مقاولة اسبانية في ما يبلغ عدد المقاولات التي لها علاقات تجارية مع الرأسمال المغربي حوالي 19000 (تسعة عشر ألفا)، ومع ذلك تظل حصة المغرب من الاستثمارات الاسبانية في الخارج ضعيفة. في المقابل، يضيف رئيس مجلس النواب، لاتستغل إسبانيا بالشكل المطلوب الإمكانيات التي يوفرها المغرب في مجال إعادة توطين المقاولات في المملكة التي تتوفر على سوق في طور التوسع ومفتوح على الخارج، موضحا أن قيمة الاستثمارات الاسبانية المباشرة بالمغرب، بلغت خلال 2015، 138 مليون أورو. ويحتل المغرب المرتبة 30 من البلدان المستفيدة من الاستثمارات الاسبانية أي بحصة %0,34 من مجموع أكثر من 1100 مليار أورو كاستثمارات إسبانية في الخارج، مقابل ذلك بلغت قيمة الاستثمارات المغربية في إسبانيا، سنة 2014، 62 مليون أورو (العقار والأنشطة المالية بالأساس ثم الصناعات الغذائية والنقل).
من جهة أخرى، يضيف رئيس مجلس النواب، لا يرقى عدد السياح الإسبان الذين يزورون المغرب إلى مستوى علاقات القرب الجغرافي والتاريخي والثقافي بين البلدين، إذ أن 630 ألف إسباني فقط زاروا المغرب خلال 2015 علماً بأن عدد السياح الإسبان إلى مختلف البلدان بلغ 15 مليونا برسم نفس السنة.
هذه الوضعية تستدعي ضرورة الرفع من وتيرة التعاون وتعزيز العلاقات الاقتصادية أكثر، إذ أن ما توفره من إمكانيات يبقى غير مستغل إلى أقصى حد في سياق تنافس اقتصادي دولي حاد مذكرا بعدد من الإمكانيات من بينها، القرب الجغرافي، التجهيزات الأساسية واللوجيستيكية، ما يمثله البلدان من سوق واعدة بالإضافة إلى التاريخ والثقافة المشتركين
وفي هذا الإطار يؤكد المالكي أن المطلوب هو:
– تقليص العجز التجاري، إذ تصل نسبة تغطية الواردات المغربية من إسبانيا بالصادرات %82. وسيكون من الممكن، ومن المعقول، إعادة التوازن إلى هذه المبادلات في غضون خمس سنوات.
– العمل على رفع حصة المغرب من الاستثمارات الاسبانية في الخارج من نسبة %0,34 إلى نسبة %5 في غضون عشر سنوات.
– السعي إلى زيادة حصة المغرب من السوق السياحية الاسبانية، وأن الانتقال من 630 ألف سائح إسباني يزورون المغرب إلى 1,5 مليون سائح سنويا سيكون قابلا للتحقق في غضون خمس سنوات.
وفي ما يخص المجال الصناعي، أكد رئيس مجلس النواب أن المغرب يوفر عدة إمكانيات وامتيازات منها القرب من الأسواق الأوروبية ووجود يد عاملة مؤهلة بأجور تنافسية، ومنها التجهيزات الأساسية واللوجستيكية والمناطق الحرة القريبة من إسبانيا، والامتيازات الضريبية المكفولة للاستثمار الأجنبي في المغرب.
كما يوفر قطاع السيارات مثلا عدة امكانيات لتطوير التعاون الثنائي، خاصة مع تموقع فاعلين عالـميين في مجال السيارات بالمغرب، ونفس الأمر في مجال صناعة الطيران والأنشطة المرتبطة به، والصناعات الغذائية والالكترونية.
ويوفر المغرب أيضا فرصا واعدة في مجال الخدمات (التوزيع – الاتصالات – تكنولوجيا الإعلام والاتصال – NTIC، والمواد شبه الطبية والطباعة إلخ)، إلى جانب فرص واعدة أخرى في مجال الاستشارة والهندسة والطاقات المتجددة ومعالجة المياه.
ويبقى الأساسي، يؤكد المالكي، أن المغرب يمكن أن يشكل قاعدة هامة للمقاولات الإسبانية نحو إفريقيا حيث تقيم المملكة علاقات سياسية واقتصادية وطيدة مع عدد كبير من بلدانها. ويمكنها أن تستفيد أيضا من الامكانيات الكبرى التي ستوفرها منطقة التبادل الحر الإفريقية التي وقعها المغرب إلى جانب أكثر من 40 دولة إفريقية الشهر الماضي.
فالمغرب، يضيف المالكي، يوفر إمكانيات كبرى للولوج إلى أسواق حوالي 50 دولة تربطها ببلادنا اتفاقيات للتبادل الحر (سوق بأكثر من مليار مستهلك).
مختتما أنه في كل هذا تشكل الإرادة السياسية، والعمق الثقافي والتاريخي، رافعة أساسية لعلاقات اقتصادية موسعة وشاملة. ويبقى علينا أن نشتغل على هدف مركزي استراتيجي، له بعد عالمي. ويتعلق الأمر بالربط القار بين المغرب واسبانيا. وهو بإنجاز تاريخي وجيوستراتيجي سيجعل المغرب وإسبانيا، يستعيدان مجدهما التاريخي، ويقدمان خدمة لاتقدر بثمن للانسانية، معتبرا أنه حلم ينبغي أن نعمل على تحقيقه، حلم الربط بين ثلاثة عوالم : أوروبا وإفريقيا والعالم العربي، مع كل الثمار الجيوستراتيجية لهذا المشروع على البشرية اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا.


الكاتب : الاتحاد الاشتراكي

  

بتاريخ : 20/04/2018