في الذكرى الثانية لرحيل المخرج محمد خان ، نتذكر أنه: لم يهتم بحلول للواقع .. بل أخرج أفلاما، تمنى أن يفهمها الناس

حصل على الجنسية المصرية قبل رحيله بعامين، وبعد أن تجاوز الـ70 من عمره، إلا أن محمد خان المولود لأم مصرية وأب باكستانى، والذى توجه للدراسة فى إنجلترا فى شبابه- كان مصرى المولد والهوى والطباع، مُولعاً بتفاصيل الحياة فى مصر، وهمومها وأحلامها، شوارعها وناسها وحكاياتها، حلوها ومُرها، ولذلك جاءت أفلامه السينمائية تعبر عن تلك الحياة المُشبعة بأدق التفاصيل، وما يمكن نقله من الواقع إلى الشاشة، حتى لو كانت طفلا يخربش بأداة معدنية جانب سيارة، أو ثمرة برتقال تسقط من شجرة كرمز لاكتمال علاقة عاطفية ونضجها.
«هناك أشياء صغيرة أحاول تمريرها فى أفلامي، أتمنى أن يفهمها الناس»، هكذا انطلق محمد خان فى أفلامه. لم يكترث بطرح قضايا محددة، أو ينشغل بعرض حلول لمشاكل ما، لكن كل ما كان يعنيه صناعة فيلم وسرد حكاية تحمل بعدا إنسانيا مفصلا بمبدأ «لا أهتم بالحدوتة، ولا أهتم بالحلول للواقع، ما يهمني فقط التفاصيل».
24 شريطا سينمائيا حملت توقيعه بأسماء نجمات كبار: سعاد حسنى، نورا، ميرفت أمين، نجلاء فتحى، مديحة كامل، ليلى علوى، وأفلام أسندها لنجمات شابات ساهمت فى توهج نجوميتهن وآخرهن: غادة عادل وهند صبرى ومنة شلبى وياسمين رئيس وهنا شيحة، وأعمال أخرى بقيت أحلاما متعثرة لم يُسعفه الزمن ولا السوق السينمائية الصعبة والمتقلبة لتقديمها، ولكنه حتى آخر كادر التقطه ظل حالما وهائما فى حب السينما، وفى نقل الواقعية، متأثرا بتتلمذه على يد رائدها صلاح أبوسيف، ومتسلحا فى بداية مشواره بشراكة فى الرؤى والأحلام السينمائية مع رفاقه «جماعة أفلام الصحبة» بشير الديك ونادية شكرى وعاطف الطيب وداوود عبد السيد، وليتحول منذ أول أفلامه «ضربة شمس» إلى «خان» مدرسة لصناعة السينما ونقل الحياة، والمقبل على صناعة الأفلام وتقبل تطوراتها وتقلباتها وصدماتها، مثل عدم تحقيق فيلما مثل «الحريف» لإيرادات كبيرة، رغم بطولة عادل إمام له، لدرجة تدفعه للندم على إخراجه هذا الفيلم، مرورا بصعوبة تقديمه أفلاما فى سنواته الأخيرة، وفى ظل السوق الاستهلاكية، وعزوف نجمات الشباك الجدد ممن لم يتجاوزن الثلاثين من أعمارهن وقتها عن بطولة أفلامه، وصولا لمرونته وحبه للتجديد واستيعابه تقديم فيلم بطريقة الديجتال ، ورغم كل التجارب والإحباطات بقى شغفه وولعه بالسينما مشتعلين، ولم يُخمدا، وظل محمد خان ذلك «المخرج على الطريق» يعود من وقت لآخر وراء الكاميرا، يُخرج ويُحب ويحيا بالسينما والموسيقى والرومانسية والانغماس فى التفاصيل وفى تقديم الشخصيات من لحم ودم، تحب وتكره، تفرح وتغضب، تعيش وتموت.
كان مولعاً بنسج العلاقات الإنسانية فى أعماله، ففيلم مثل «زوجة رجل مهم»، ورغم اعتباره عملا سياسيا من قبل كثيرين، فإنه جسد غياب وموت الرومانسية بين بطليه ليتحولا إلى شخصين آخرين غير اللذين بدأ بهما شريطه السينمائي.
وذات يوم، كتب المخرج محمد خان مقالا بعنوان «حالة جفاف في النشر السينمائي» يشكو فيه المجلات الموجودة في العالم العربي لأنها وعلى حد تعبيره «تعتمد على الخبر والصورة أكثر من النقد الجاد والدراسة العميقة والتحليل المنور للفيلم»، وفي نفس المقال انتقد كتب السينما لأنها «إما تعليمي مترجم، أو تحليلي مترجم أيضًا»، متسائلا: «أين هو العقل السينمائي العربي في عالم النشر؟».
كان المخرج يعاني من أزمة طالته في مناقشة أفلامه على وجه التحديد، لأنه وكما كان يرى نفسه دائمًا «مهتمٌ بالتفاصيل لا بالحدوتة أو الحلول» لذلك لم يجد من يناقشه في هذه التفاصيل التي اعتاد استخدامها داخل أفلامه، ومن يقرأها كما يتمنى ليعيد اكتشافها وتقييمها ويبعدها عن مبالغات رد فعل المشاهدة الأولى، سواء كان المشاهد مع أو ضد الفيلم، بل كان النقد العربي في الغالب يكتفي بالحدوتة فقط.
ازدادت مشكلة خان مع النقد الفني في مصر والوطن العربي تأزمًا لأنه كان مشغولا أيضا بـ«الاخترال» والذي اعتبره في كتابه «مخرج على الطريق» شجاعة تحترم ذكاء المشاهد في مشاركته أحاسيس ومفاهيم العمل الذي أمامه على الشاشة، لذلك كان يدقق في استخدام الرمزية داخل أعماله، وينتظر من الناس أن تقرأ ما بين السطور دون أن تكتفي بالقصة والحوار فقط، من أجل تكوين صورة كاملة عن الأحداث ومجرياتها وطبيعة الشخصيات التي تدور حولها الحكاية.


الكاتب : وكالات

  

بتاريخ : 16/08/2018