في تقديم كتاب «عبد الرحيم بوعبيد: تأملات وشهادات» محمد الأشعري: إرث الراحل متروك للأجيال القادمة لكي تتملكه بطريقتها وتجربتها الخاصة

علي بوعبيد: الكتاب يترجم منظورا جديدا للعمل السياسي يحيل على الواقعية السياسية

شهدت قاعة القاهرة بالمعرض الدولي للكتاب في دورته 24 أول أمس السبت، لقاء لتقديم كتاب «عبد الرحيم بوعبيد: شهادات وتأملات»، وهو الكتاب/ الشهادة الذي مزج فيه القيادي الاتحادي الراحل بين الشهادة والتفكير والتأمل في مسار العمل السياسي المغربي منذ الأربعينات وما صاحبه من مخاضات.

اعتبر الشاعر والروائي ووزير الثقافة الأسبق محمد الاشعري، وهو يقدم كتاب «عبد الرحيم بوعبيد: تأملات وشهادات» أول أمس السبت بالمعرض الدولي للكتاب، أن الكتاب يعد وثيقة مرجعية في العمل السياسي المغربي خلال فترة الأربعينات وبعد الخمسينات، باعتباره يسرد أحداثا ووقائع مفصلية تمتد من تقديم الحركة الوطنية لوثيقة المطالبة بالاستقلال إلى ما بعد حكومة عبد الله إبراهيم التي شغل فيها بوعبيد منصب وزير للاقتصاد، مشيرا الى أن الدافع الى تأليف هذا الكتاب كان رغبة الراحل في الرد على المشروع الاستعماري، وإضاءة بعض الالتباسات التي رافقت مسار الحركة الوطنية.
وأضاف الأشعري أن الزعيم الراحل عبد الرحيم بوعبيد – وهو يدون مذكراته في هذا الكتاب الذي كتب أغلب فصوله خلال فترة اعتقاله بميسور في 1982 ، والذي وضع له عنوانا مؤقتا هو «دفاتر مناضل» – كان يعي ورطة المذكرات، وأن الفاعل السياسي لا يمكنه كتابة التاريخ بدقة المهني ، لذا جاء الكتاب مازجا بين الشهادة والتفكير والتأمل ، إذ تحدث فيه عبد الرحيم بوعبيد من داخل التجربة ومن خارجها، واضعا أمام الأجيال القادمة شهادة عن مراحل مفصلية من تجربة الحركة الوطنية في تناقضاتها والتباساتها، تجربة تتأمل عن بعد ما صاحب هذه المراحل من تعقيدات، بعين ناقدة ومتسائلة من أجل تملك دروسها والاستفادة منها.
الكتاب الذي كتب في زمنين كما أوضح الاشعري – زمن الاستعمار وما بعد الاستقلال – يربطه خيط ناظم هو الكتابة، التي اعتبرها كتابة لها مجالها وديناميتها ، تستنير بالعقلانية في تفكيك وتناول قضايا الحركة الوطنية، وبالحجية في تفسير الحيثيات والالتباسات خلال مرحلة المفاوضات، كما أنه يتطرق لعلاقات الزعماء الوطنيين أنذاك وخصوصياتهم وتناقضاتهم المنتجة التي أثْرت عمل الحركة الوطنية ، مدللا للأمر بالتوتر الذي حدث بين أحمد بلافريج وعلال الفاسي أثناء المفاوضات مع المستعمر ، مضيفا أن المذكرات شهادة صادقة أمام المواطنين بما تقدمه من معطيات وتحليل، كما أنها ليست مذكرات بالمعنى التقليدي أو تسجيلا حواريا، بل كتابة تتجاوز الحديث السياسي المباشر نافذة الى العمق الثقافي. كما أفرد الكتاب صفحات عدة للعلاقة بين الراحلين بوعبيد والملك الحسن الثاني وخاصة المتوترة منها ، مشيرا الى شجاعة بوعبيد في التعبير عن آرائه واختياراته ، دون التفريط في الثوابت والقناعات خصوصا في نقاشاته مع الملك الراحل. وخلص الاشعري الى القول إن إرث الراحل متروك للأجيال القادمة لكي تتملكه بطريقتها وتجربتها الخاصة.
من جهته اعتبر علي بوعبيد، نجل الراحل، أن الكتاب يقدم نظرية حول البراغماتية السياسية، كما يترجم منظورا جديدا للعمل السياسي يحيل على الواقعية السياسية. إذ أن الراحل كان رجلا واقعيا يمارس السياسة بواقعية، متسائلا عن حدود الواقعية في السياسة، وسقوطها في التواطؤ، ومشيرا الى أن والده استحضر الواقع وإكراهاته في كل قراراته الوطنية ، استحضار راعى فيه دوما مصلحة الوطن العليا متجاوزا كل ذاتية أو نزعة ضيقة تنتصر للفردانية.
وأضاف علي بوعبيد أن الهاجس الجماعي في تفكير والده كان يطغى بقوة على الهاجس الفردي والنفسي، هو الذي اعتبر طيلة مساره السياسي والنضالي، السياسة بمثابة مغامرة وعمل جماعي في نكران لافت للذات، مشيرا أن هذا الكتاب لا يتطرق الى فترة اعتقال الراحل بين سنتي 1944 و1952و 1982 ، كما أنه يشكل منجما ثرا للباحثين والمؤرخين، يضع فيه الراحل القارئ في سياقات تاريخية مختلفة، تعكس التناقضات التي ميزت مسار النضال في المغرب من أجل التحرر.
وأشار علي بوعبيد إلى أن قيمة مذكرات والده تكمن في ما رصدته بدقة وحكمة من تناقضات أثثت مطبخ الحركة الوطنية الداخلي ، مع توضيح مواقف الراحل منها بكل حيادية وبالحسم المطلوب ،مضيفا أن الراحل كان تحذوه رغبة في كتابة التاريخ بعين الفاعل السياسي ، بعيدا عما تقدمه الرواية الرسمية لأن كتابة التاريخ الحقيقي في نظره يجب أن تستحضر تناقضاته وحيثيات الصراع الذي يطبع فاعليه.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 19/02/2018