في حوار مع الدكتور حمزة اكديرة، رئيس المجلس الوطني لهيئة للصيادلة .. 3500 صيدلي في وضعية إفلاس والآلاف يعيشون هذا التهديد يوميا

المنظومة الصحية  تعيش وضعا مأساويا.. والحاجة، إلى معالجة حقيقية لمشاكل قطاع الدواء والصيدلة

 

صادق مجلس الحكومة المنعقد يوم الخميس 7 نونبر 2019 على مشروع القانون رقم 98.18 المتعلق بالهيئة الوطنية للصيادلة، الذي تقدم به وزير الصحة، والذي يهدف إلى تحيين وتحديث الإطار القانوني المؤطر لمزاولة مهنة الصيدلة، التي تعيش على إيقاع العديد من المشاكل التي ترخي بظلالها على يوميات الصيادلة، سواء تعلق الأمر بالشق التشريعي أو الإداري، وفي ظل التخبط الذي تعرفه أسعار الدواء، وإشكالية المستلزمات الطبية، والثقل الضريبي، وغيرها من المشاكل الأخرى، التي حاولنا تسليط الضوء عليها من خلال الحوار التالي، الذي أجريناه مع الدكتور حمزة اكديرة، رئيس المجلس الوطنية لهيئة الصيادلة.

 

o بداية، كيف هو وضع المنظومة الصحية اليوم؟
n للأسف تعيش المنظومة الصحية في المغرب اليوم وضعا سيئا، بشكل يتناقض كلّيا مع المسار الذي قطعته بلادنا، خاصة بعد دستور 2011 الذي صوّت عليه المغاربة، وبشكل يختلف عما جاءت به الخطب الملكية المتعددة التي خصصت لقطاع الصحة، والتي يجب أن تحث الدولة على تأمين ولوج المواطنين المغاربة إلى العلاجات وإلى الدواء.
اليوم، منظومتنا الصحية وصلت إلى حدّها ومداها، ومن المفروض أن نخلق نوعا من القطيعة مع ما كان سابقا، والاشتغال على نموذج جديد، على غرار القانون الإطار في قطاع التعليم، يمكّن من تحقيق نوع من الوضوح ويضمن رؤية للقطاع تمتد على مدى الـ 20 أو 30 سنة المقبلة، والذي يجب أن يرافق بقوانين تؤطر القطاع وتحقق نوعا من التكامل بين كل المتدخلين فيه، لا ترسخ للصراع فيما بينهم.
o أي انعكاس لذلك على قطاع الدواء والصيدلة؟
n يمكن القول بخصوص قطاع الأدوية والصيدلة، أن بلادنا لم تكن تتوفر على سياسة دوائية واضحة مما أدى إلى تسجيل تخبط كبير من فترة إلى أخرى، إلى أن جاءت الحكومة السابقة، التي وبكل أسف، وبسبب القدرة الشرائية المتواضعة للمواطن المغربي، وفي ظل غياب تغطية صحية شاملة، وتحت ضغط الصناديق الاجتماعية، قامت بمراجعة أسعار الدواء بطريقة صارمة مما أثر على نشاط هذا القطاع الذي تقلّص بشكل كبير. نحن في سوق جد متواضعة، ويكفي أن نعلم أن المواطن المغربي يخصص سنويا مبلغ 400 درهم للأدوية، في الوقت الذي تتجاوز دول مجاورة كتونس والجزائر هذا الرقم بكثير جدا.
وهذا الوضع وانهيار أسعار الأدوية بالاستناد على مرسوم 2014، قد تم إعداده بالاعتماد على دراسة مقارنة مع 7 دول لتحديد ثمن الدواء بناء على الأقلّ سعرا فيها، علما بأن المرسوم يتحدث عن تخفيض الأثمنة وعن رفعها كذلك، والحال أنه وخلال 20 سنة لم يسجل أي ارتفاع لها خلافا لكل الأشياء الأخرى، التي عرفت على مدار هذه السنوات تغييرا في قيمتها المالية، يتضح غياب رؤية شمولية عند القائمين على الشأن الصحي ببلادنا.
o ما الذي قمتم به لتجاوز هذه الإشكالية وما هي تبعاتها؟
n لقد قمنا خلال كل هذه السنوات بتحسيس مختلف الفاعلين العموميين من وزراء وكل المعنيين والمتدخلين بهذا الموضوع، حتى تتم مراجعة الأمر وإعادة النظر فيه، لأن تخفيض أثمنة الأدوية أدى إلى عدم استقرار القطاع، فنحن اليوم نتواجد أمام 3500 صيدلاني في وضعية إفلاس، وعدد آخر من الصيادلة ليس بالهيّن هم مهددون أيضا بذلك وهم يوجدون في وضع غير مريح، هذه المشاكل انعكست أيضا على قطاع التوزيع الذي هو مكسب جد مهم لبلادنا والذي يعرف اليوم هو الآخر أزمة خانقة.

o هل هذا يعني أنه لم يتم التفاعل إيجابيا مع مطالبكم؟
n يجب التأكيد على أن وزير الصحة السابق وبعد تعيين مدير مديرية الدواء والصيدلة البروفسور جمال توفيق، الذي له دراية كبيرة بالقطاع، والذي منذ مجيئه تحقق نوع من خطاب التفاهم فيما بيننا، قد اقتنع بما يعيشه القطاع وإكراهاته، وتمكّنا بالفعل من تحريك هذا الملف من خلال خلق لجان مشتركة بين المديرية وبين ممثلي قطاع الصيادلة، وكانت هناك نتائج لا بأس بها وتعتبر بارقة أمل، كما هو الشأن بالنسبة لمسالك الأدوية، وحق الامتياز للصيدلي، وإخراج دستور الأدوية، وكذا لائحة المستلزمات الطبية المعقّمة، إلى جانب منحنا إشارة من الحكومة برفع ثمن الأدوية ولو بشكل ضئيل. كل ما سبق هو يدلنا على أن الأشياء بدأت تتحرك وبأنه كان هناك تفاعلا في هذا الملف، في الوقت الذي نتابع فيه جملة من الاختلالات والفوضى من قبيل تسخير الدواء في الحمالات الانتخابية، بحيث أن مادة الأنسولين نموذجا، لم يعد حضورها مقتصرا على الصيدلية، إلى جانب استعمال بعض أطباء الأطفال بالقطاع الخاص اللقاحات بشكل غير قانوني، ونفس الأمر بالنسبة لنوع معيّن من الأدوية التي تستعمل في الفحوصات بالأشعة «الراديو» وهو ما يشكل إلى جانب أمور أخرى خطرا على صحة المواطن.
o هل نحن أمام تقزيم أدوار الصيدلاني في المغرب؟
n إن الفدرالية العالمية لنقابات الصيادلة ما فتئت تدعو إلى تقوية دور الصيدلاني الذي يمكن أن يساهم مساهمة كبيرة، خاصة في بلادنا في ظل الخصاص في عدد الأطباء، لأنه من المفروض أن يشكل عدد الصيادلة المتمثل في 12 ألف صيدلاني وصيدلانية مكسبا يجب أن يستفيد منه نظامنا الصحي، نظرا لأن هذه الفضاءات المفتوحة والقريبة من المواطنين يمكنها أن تساهم بشكل بناء وإيجابي في النهوض بالمنظومة الصحية ككل، ويجب تقديم الدعم لها وتوفير السبل القانونية التي تساعدها على ذلك.
لكن وخلاف لذلك، فإن الصيادلة يعانون من مشاكل مرتبطة بالجانب الاقتصادي والضريبي، وهنا تكفي الإشارة على سبيل المثال لا الحصر إلى مثال يتجسد في الأدوية من نوع T3 و T4 التي يتراوح هامش الربح فيها ما بين 300 و 400 درهم، في حين أن تضريبها يفوق هذا الهامش، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام.
اليوم، هناك أكثر من 1500 صيدلي يفوق سنهم 65 سنة، ويريدون التوجه نحو التقاعد، وقمنا بحث الحكومة كي تمنحهم نوعا من التشجيع المادي عبر إعفاءات لكي يتقاعدوا ويمنحوا الإمكانية لصيادلة شباب كي يجدوا صيدليات يشغّلونها، وهنا أؤكد أننا طرحنا المشكلين معا، بشكل قوي بمناسبة مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2020، ونأمل في أن تتحقق نتيجة إيجابية في هذا الصدد.
o ما هي انتظاراتكم من وزير الصحة الجديد؟
n إن تنظيم القطاع وتحقيق نوع من الأمن الاجتماعي فيه، سيسمح للصيادلة بالاشتغال في جو إيجابي سيمكّنهم من مضاعفة الجهود والقرب أكثر من المواطن وخلق تكامل بينهم وبين الصناديق وباقي المتدخلين، وكما أشرت سابقا فإن الفدرالية العالمية لنقابات الصيادلة قد دعت إلى تعزيز أدوار الصيادلة، الذين يقومون بتتبع الأشخاص المسنين الذين يتطلب وضعهم الصحي تناول أدوية متعددة، والمرضى الذي هم في حاجة إلى أدوية تخفّف من الدورة الدموية، والصيادلة المفروض أن يشاركوا في عمليات التلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية، وغيرها من الأدوار، والملفات التي إلى جانب ما أشرت إليه في الأسئلة السالفة، تعتبر ملفات مفتوحة ونتمنى ونطلب من الوزير الجديد الاهتمام بها عما قريب وأن يقوم باستقبال المجلس الوطني لهيئة الصيادلة، باعتباره الهيئة التي تمثل المهن بكل مكوناتها، ومواصلة العمل يدا في يد، ودعم عمل مدير مديرية الأدوية والصيدلة للاستمرار جنبا إلى جنب في الانكباب على معالجة كل الملفات المطروحة.
o كلمة أخيرة؟
n لقد ساهم الصيادلة على مر كل هذه السنوات في تحقيق الأمن الدوائي للمواطنين المغاربة، وقاموا ويقومون بأدوار صحية واجتماعية متعددة، إلى جانب ادوار دبلوماسية متعددة تعزز من حضور المغرب مغاربيا، عربيا وإفريقيا بل وحتى دوليا، وهنا يمكن أن أشير، على سبيل المثال لا الحصر، إلى الملتقى الدولي الصيدلاني الذي نظمناه بمراكش وما حققه من نتائج إيجابية بحضور ضيوف من إفريقيا ومن العالم، وطبيعة المواضيع العلمية التي تمت مناقشتها فيه، إلى جانب خطوة خلق جمعية موزعي الأدوية في إفريقيا، التي يحتضن المغرب مقرّها ويتشرف برئاستها، وهي كلها خطوات تؤكد على أن الصيادلة المغاربة يوقعون على مسار إيجابي وبناء وجاد لخدمة بلدهم، وعلى الدولة أن تهتم بهم وأن تعالج المشاكل التي تعترض سبيلهم بالنظر إلى تبعاتها المختلفة.
أريد أيضا أن ألفت الانتباه إلى أن المغرب أشّر على خلق الوكالة الوطنية للأدوية، واليوم هناك استعجالية من أجل إحداثها وإخراجها إلى حيز الوجود، وأنا أناشد وزير الصحة من هذا المنبر، للاهتمام بهذه النقطة لأنها ستجعل القطاع يتّسم بشفافية أكبر وبحكامة أنجع.
وإلى جانب ما سبق أريد أن أبيّن على أنه بغض النظر عن الوضع الكارثي للمهنيين المرتبط بالوضع الاقتصادي، فإن هناك مشاكل أخرى تعيشها المهنة ترتبط بعدد من القوانين المؤطرة لها، كما الشأن بالنسبة لقانون 1922 حول المواد السامة الذي يطرح مشاكل عديدة في الشقّ المتعلق بصرف بعض الأدوية الخاصة بالأمراض العقلية، التي يتم توزيعها حول المؤسسات التعليمية وفي أزقتنا على أطفالنا وشبابنا ويهدد صحتهم وسلامتهم ويرخي ذلك بتبعاته على المجتمع ككل، ونحن منذ أكثر من 4 سنوات ونحن ننادي بأن يتم استثناء هذه الأدوية من هذا القانون وان يخصّص لها نص خاص بها لان الوضع جد خطير، ويعرض الصيادلة للمتابعة.
وفي ارتباط بموضوع القوانين هناك أيضا قانون 1976 الذي ينظم المجالس، الذي منذ أكثر من 4 سنوات ونحن ننادي بتعديله واشتغلنا مع الأمين العام للحكومة والوزارة الوصية حول مشروع في هذا الإطار. هذا المشروع الذي حصلت عليه تغييرات لا علم لنا بها خلال المسار الذي قطعه، وفقا لما هو متداول، واليوم صادقت عليه الحكومة ونتمنى أن تكون فيه إجابات لكل ما ينتظره الصيادلة لتنظيم القطاع، وأن يحقق جهوية فعلية للمجالس من أجل تأطير عن قرب ومتابعة الصيادلة في ممارستهم اليومية، ولهذه الغاية كنا قد اقترحنا وننتظر، لكي يكون لدينا 12 مجلسا جهويا على غرار التقطيع الترابي. ثم هناك مدونة الأدوية والصيدلة المتمثلة في القانون 17.04 التي من المفروض أن تطرأ عليها بعض التعديلات تماشيا مع التغييرات التي يعرفها القطاع .


الكاتب : حاوره: عادل الدكالي

  

بتاريخ : 09/11/2019