كيف تفكر إسرائيل في الحرب داخل قطاع غزة؟

في الوقت الذي دخل فيه القادة الإسرائيليون في صراخ وجدال مع أهالي الجنود الأسرى لدى حركة «حماس»، قلة منهم على استعداد لمناقشة حل طويل الأمد أو حتى التفكير خارج الصندوق لتجنب الحرب القادمة مع قطاع غزة.

أجواء مشحونة

الأجواء المشحونة التي سادت الجلسة النارية التي عقدت في «الكنيست» الأربعاء الماضي، وتخللتها حالات هيجان لسياسيين وأهالي الجنود لدى «حماس»، تؤكد «حقيقة واحدة واضحة للعيان؛ أن إسرائيل لا توجد لديها أدنى فكرة حول كيفية التعامل مع القطاع»، وفق موقع «تايمز أوف إسرائيل».
وأمام لجنة الرقابة في «الكنيست» الإسرائيلي، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأربعاء، للإجابة على أسئلة تتعلق بتقرير مراقب الدولة حول إدارة حكومته لتلك الحرب.
وبعد انسحاب «إسرائيل» من قطاع غزة من جانب واحد عام 2005، وتركه للسلطة الفلسطينية، «تغيرت المعادلة بسرعة عقب سيطرة حماس عليه عام 2007، ما ترك في نفوس الإسرائيليين كراهية شديدة للخطوات الأحادية وشكوكا كبيرة بشأن تنازلات عن الأراضي»، وفق الموقع.
ورأى الموقع، أن قطاع غزة «يقف اليوم على شفا أزمة إنسانية كاملة؛ بالكهرباء غير المنتظمة والبطالة اجتازت حاجز 40 بالمئة والاقتصاد يعتمد على المساعدات الخارجية، والمياه ستكون غير صالحة للشرب بحلول 2020»، (يذكر أن الحصار والعدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع دمر البنية التحية ومئات المصانع وعشرات آلاف المنازل، كما تحرم إسرائيل القطاع من حقه في المياه).

خطط تدمير

وعلى الرغم من فك «إسرائيل» ارتباطها ظاهريا مع القطاع، «ما زال التوتر هو السائد على الحدود ومصير القطاع بصورة حتمية بين أيد إسرائيلية، ومع ذلك حين دار النقاش حول القطاع عاد مرارا وتكرارا وانتهى في النقطة التي بدأ منها بالضبط، نقطة اللامكان».
عضوا «الكنيست» دافيد بيتان وميكي زوهر صدما الجالسين في القاعة والمجتمع الإسرائيلي كله تقريبا؛ بعدما نعت بيتان والد أحد الجنود لدى «حماس» بـ»الكاذب»، واتهم زوهر والدة أحد الجنود بـ»المبالغة»، وسادت حالة من الجدل الواسع بين أعضاء من الائتلاف الحكومي والمعارضة.
النائب الإسرائيلي عوفر شيلح من حزب «يش عتيد»، وهو صحفي سابق مختص بالشؤون العسكرية، ناقش بالتفاصيل مع السكرتير العسكري لنتنياهو، العميد إليعزر توليدانو، مسألة متى بالتحديد قام الجيش الإسرائيلي بتجهيز خططه لتدمير الأنفاق، حتى وصل النقاش بينهما حد المصطلحات ما يشكل «أمرا وتوجيها».
كما رفض نتنياهو محاولة رئيسة حزب «ميرتس» زهافا غلئون، لمناقشة إمكانية وجود حل دبلوماسي مع قطاع غزة واعتبرها نتنياهو «مثيرة للسخرية»، وبالنسبة له يبدو أنه لا يوجد حل شامل للقطاع باستثناء الحفاظ على الوضع الراهن.
ويقر الموقع، أن «إسرائيل غير مستمتعة بحكم حماس في القطاع، كما أن سيادة حماس في غزة ليست في خطر حقيقي»، مضيفا: «إسرائيل تريد أن تخاف حماس على وجودها وإبقاء التنظيمات الأكثر تطرفا في غزة تحت المراقبة لتجنب ضربات عقابية وانتقامية من الجيش الإسرائيلي».

الطريقة الوحيدة

ومنذ سيطرة «حماس» على القطاع دخلت «إسرائيل» تقريبا كل سنتين في حرب معها، لكن «هذا التقليد تغير العام الماضي أو على الأقل تم تأجيله، فاليوم من يرأس حماس في غزة هو يحيى السنوار، في حين لم يلمح نتنياهو خلال الجلسة إلى أن الديناميكية مع غزة ستتغير قريبا».
أما اقتراح وزير النقل والاستخبارات يسرائيل كاتس، بناء ميناء في غزة «يبدو كوهم وتمت الإشارة إليه عن طريق الصدفة، واقتراح وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، بالسماح لسكان القطاع بالعمل في إسرائيل، لاقى رفضا من رئيس الحكومة».
في حين رأى نتنياهو، أن «الطريقة الوحيدة لردع حماس هي من خلال القوة»، رافضا وجود «بديل سياسي» للحل مع غزة، التي ليس أمامها بحسب نتنياهو إلا خياران عسكريان، الأول؛ تنفيذ حرب جديدة «لاستعادة قوة الردع والحفاظ على الوضع الراهن، والثاني؛ إعادة احتلال القطاع».
وبالنسبة للخيار الثاني، ذكر نتنياهو، أنه «في حال تم إعادة احتلال القطاع يجب تسليمه لطرف ما، من سيكون بالضبط هذا الطرف؟ هل السلفيون؟ الجهاد الإسلامي؟ السلطة الفلسطينية التي لا حول لها ولا قوة؟».
وبناء على ما سبق، أشار الموقع إلى أن قطاع غزة «يدخل في إطار خيار ثنائي، إما أن ترتدع حماس أو أن تكون بحاجة للردع، وفي الوقت الحالي، يعتقد الجيش أن حماس في موقف ردع، وفي حال قررت الحركة تغيير ذلك إلى الحاجة للردع، أكد نتنياهو للكنيست أن للجيش وسائل جديدة ستسمح له بالقيام بهذه المهمة مرارا وتكرارا».

أكبر الرابحين بحرب 67

على صعيد آخر، ومع قرب مرور 50 عاما على حرب الأيام الستة عام 1967، رأى مسؤول إسرائيلي رفيع، أن الفلسطينيين هم أكبر الرابحين في هذه الحرب.
وقال نائب وزير الشؤون الدبلوماسية في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، مايكل أورن، إن هذه الحرب رسمت الهوية الفلسطينية كما هي اليوم، كاشفا أن «إسرائيل» تعمل على إيجاد «حل دبلوماسي» للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

الشرق الأوسط الحديث

واعتبر أورن أن «الرابح الأكبر في حرب الأيام الستة عام 1967 كان الشعب الفلسطيني»، بحسب ما نقله موقع «تايمز أوف إسرائيل»، الذي أشار إلى أن أورن تحدث «بصفته باحثا ومؤرخا أكثر من كونه سياسيا».
وزعم نائب الوزير، في حديث له بندوة بمناسبة الذكرى الـ50 للحرب، نظمتها أمس مؤسسة «مشروع إسرائيل» بمقر «معهد القدس لبحوث السياسات»، أنه «لم تكن فكرة الفلسطيني موجودة كما نعرفها اليوم»، ويذكر أن لأورن بحث بعنوان: «حرب الأيام الستة: يونيو 1967 وصناعة الشرق الأوسط الحديث».
وحول وضعية العملية السلمية مع الفلسطينيين في الوقت الحالي، فضل المسؤول الإسرائيلي أن «يلتزم الصمت إلى حد كبير»، وقال: «نحن في عملية، لكن لا يمكنني الحديث كثيرا عن ذلك».

تحت السيطرة المصرية

وأوضح أورن، الذي شغل سابقا منصب سفير «إسرائيل» لدى الولايات المتحدة، أن «الجهود الحالية، التي يجب اتخاذها لتعزيز التعاون مع الإدارة الأمريكية، قد لا تخلق دولتين، لكن قد تصنع حلا دبلوماسيا».
وبالنسبة للكثيرين، تثير الذكرى الـ50 لتلك الحرب «مشاعر متناقضة»، فهي بالنسبة للإسرائيليين تمثل مرور نصف قرن على استعادة (احتلال) اليهود للبلدة القديمة والمواقع التاريخية اليهودية (بحسب زعمه)، أما بالنسبة للفلسطينيين؛ فهي تمثل نصف قرن من الحكم العسكري الإسرائيلي عليهم».
وردا على سؤال حول الطبيعة المزدوجة لهذه الذكرى، قال: «بالإمكان الاحتفال بتوحيد مدينة القدس ويجب الاحتفال به»، بحسب قوله، (على اعتبار أن القدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية).
وفيما يخص الفلسطينيين، لفت أورن، إلى أنه «حتى عام 1967، رأى العرب في إسرائيل وفي الضفة الغربية التي كانت تابعة للأردن وفي قطاع غزة الذي كان تحت السيطرة المصرية بأنفسهم مجموعات متباينة، وانتظروا من الغرباء إنقاذهم»، معتبرا أن «أكبر الرابحين في حرب الأيام الستة هم الفلسطينيون».
ورأى أورن أن «فشل الجيوش العربية في هزم إسرائيل في حرب الأيام الستة هو الذي ألهم الفلسطينيين للاتحاد فيما بينهم للصراع من أجل استقلالهم»، مشيرا إلى أنه في «عام 1967، اندمجت منظمة التحرير الفلسطينية، التي تم تأسيسها في القاهرة عام 1964، مع حركة فتح التي تم تأسيسها عام 1959 في بلدان الخليج، تحت قيادة ياسر عرفات».

السفينة الأمريكية

وجمعت منظمة التحرير العديد من المجموعات والأحزاب الفلسطينية، حيث شكلت هيئة تمثيلية للفلسطينيين هدفها إنشاء دولة فلسطينية، وفق تقديرات نائب الوزير فإن مثل هذا «النوع من التعاون كان محالا قبل تلك الحرب»، مشيرا إلى أن الحرب أيضا «مهدت الطريق أمام اتفاقيات سلام تحويلية مع مصر عام 1979 والأردن عام 1994».
أما بالنسبة «للرابح الأكثر وضوحا في تلك الحرب وهي إسرائيل، كانت هناك فائدة أخرى جنتها وهي تحسن العلاقات مع أمريكا بصورة كبيرة، على الرغم من مهاجمتها لسفينة البحرية الأمريكية، «يو إس إس ليبرتي»، خلال الصراع، وراح ضحية هذا الهجوم 34 من أفراد طاقم السفينة»، وتم الهجوم الإسرائيلي على السفينة الأمريكية بواسطة طائرات سلاح الجو الإسرائيلي وزوارق البحرية أيضا.
وكشف أورن أن «التحالف الاستراتيجي الإسرائيلي الأمريكي بدأ في اليوم السابع» للحرب، موضحا أنه قبل عام 1967 كانت «الولايات المتحدة صديقا، وليس حليفا استراتيجيا، وبدأت الولايات المتحدة تنظر إلى إسرائيل كقوة جديدة في الشرق الأوسط قادرة على الوقوف أمام الجيوش المدعومة من الاتحاد السوفييتي».
وفي سياق آخر، طالب نائب الوزير، دول العالم بـ»الاعتراف بهضبة الجولان كجزء من إسرائيل، وخاصة على ضوء الصراع الدائر في سوريا حاليا»، مضيفا: «من دون الوجود الإسرائيلي في هضبة الجولان، كان جزء كبير من المنطقة سيكون معرضا للخطر، وكان تنظيم داعش يتواجد عند بحيرة طبريا»، بحسب زعمه.
وحرب الأيام الستة كما تطلق عليها «إسرائيل»، نشبت يوم 5 حزيران/يونيو 1967، بين «إسرائيل» وكل من مصر وسوريا والأردن، وأدت إلى احتلال شبة جزيرة سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان؛ وتعتبر ثالث حرب ضمن الصراع العربي الإسرائيلي.

خطة عسكرية بديلة

ترى صحيفة إسرائيلية؛ أنه يتوجب على «إسرائيل» عرض بديل مدني لخطتها العسكرية تجاه قطاع غزة؛ في محاولة لاجتياز السنوات القادمة بهدوء؛ كي تتمكن من بناء العائق الأرضي حول القطاع الذي يعالج خطر أنفاق المقاومة الفلسطينية.

باتت «حماس» تعرف

وأكدت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية؛ أن «إسرائيل اليوم تدير هجمة إعلامية – يرافقها استخدام للقوة – هدفها ردع حماس من المس بالمشروع الأمني المركزي لإسرائيل؛ وهو العائق الجديد حول القطاع».
وأوضحت الصحيفة العبرية الذي كتبه معلقها العسكري أليكس فيشمان؛ أن «هذه الحملة الاعلامية كشفت عن بطنها الطرية، وباتت حماس تعرف بالضبط ما هي نقطة الضغط لدى الجيش الإسرائيلي، وهي؛ القدرة على حماية مشروع هائل في حجمه، مشروع يبقي آلاف الأشخاص ومئات الآليات مكشوفة في السنتين القريبتين بجوار حدود القطاع».
وأضافت: «تهدد إسرائيل كل من يحاول المس بهذا المشروع لدرجة حدوث مواجهة عسكرية شاملة؛ ولهذا الغرض فإن الجيش يجري مناورات علنية على حدود القطاع؛ كي ترى حماس وتستوعب»، مؤكدة أن «القصف الجوي الإسرائيلي الدقيق على أهداف البنى التحتية، بين الحين والآخر، يأتي لتعزيز الرسالة بأن إسرائيل لا تتردد بالدخول في حرب جديدة».
ونوهت «يديعوت»، إلى أنه في «حقيقة الأمر؛ أن إسرائيل بحاجة إلى الهدوء كي تنهي العائق، الذي يفترض أن يعطي حلا بديلا للأنفاق ومحاولات التسلل»، وقالت: «تنتمي التصفية المنسوبة لإسرائيل لمازن فقهاء الذي يقف على رأس فرع الضفة الغربية في غزة – على ما يبدو – إلى جوقة التصعيد الصاخبة».
مواجهة عسكرية شديدة

وأفادت الصحيفة الإسرائيلية؛ بأنه «لسبب ما، لا يزالون عندنا (في إسرائيل) يؤمنون بأننا نعرف كيف نقرأ الطرف الآخر»، موضحة أنهم في «إسرائيل يقدرون بأن حماس، بعد عقد من صعودها إلى الحكم، بلورت فكرا له طابع الدولة أكثر مع مسؤولية عامة، وأنها لا تعتزم إضاعة معجزة إقامة دولة سنية في غزة بسيطرتها».
ومضت تقول: «التهديد بفقدان هذا الإنجاز التاريخي لحماس؛ هو الرافعة الأساس التي في يد إسرائيل، وعليه فإن إسرائيل تهدد بمواجهة عسكرية ستدار منذ بدايتها بشدة قصوى؛ باستخدام للنيران بحجم كثيف»، لافتة إلى أنه «مثل كل النشاطات حيال غزة، فإن للحرب التالية أيضا لن تكون هناك غاية سياسية في شكل تسوية أو تغيير الحكم في القطاع».
وتابعت «يديعوت» بأن «الحرب التالية هي الأخرى؛ ستدار بهدف تآكل حماس… أما الثمن فسيدفعه سكان قطاع غزة؛ الذي لا تحصيه إسرائيل ولا تفعل أي شيء كي تحاول تمييزه عن حكم حماس، التي تقوده نحو الضياع».
وذكرت أنه «بعد يوم من انتخاب يحيى السنوار لرئاسة حماس في غزة، أحرقت امرأة نفسها أمام بيته احتجاجا (مصادر فلسطينية أكدت لـ»عربي21» أن هذه الحادثة «مزعومة وكاذبة») ؛ وهذا الحدث في إسرائيل لم يكن له أي ذكر؛ ربما لأن مثل هذا الحدث من شأنه أن يمس بالرواية التي بنتها إسرائيل وبموجبها فإن حماس وسكان غزة – هم واحد».

التحدث مع سكان غزة

«صحيح؛ أن الجمهور في غزة يريد أن يرى إسرائيل مبادة؛ لكن هذا الجمهور يريد أيضا أن يعيش»، وفق «يديعوت» التي زعمت أن الفلسطينيين في غزة يدركون أن تعيين السنوار لا يعبر عن سلم أولوياتهم؛ «فهناك استثمارات في الأنفاق، الوسائل القتالية، القدرات العسكرية الخاصة، وفي النهاية تحسين الوضع الاقتصادي ورفاه المواطن».
ولفتت الصحيفة الإسرائيلية؛ إلى أن «هذه هي البطن الطرية لحماس، ولكن إسرائيل لا تحاول حتى خلق أي تمييز بين القيادة والسكان، والمحاولة الوحيدة في هذا الاتجاه؛ هي موقع إنترنت منسق الأعمال في المناطق، والذي يروي للغزيين كم هو فاسد الحكم عندهم، والموقف من السكان في غزة سطحي لدرجة أنه حتى في عيون الجيش فإن حجم السكان هناك لا يزال 1.9 مليون نسمة – رغم أنهم تجاوزوا المليونين الآن بعشرات الآلاف».
وبينت «يديعوت» أن «ثلث العائلات  الفلسطينية في قطاع غزة تعيش اليوم في فقر مدقع، و60 بالمئة من المواد التي تدخل القطاع وتحمل المواد الخام ليس لها أي تأثير على رفاهية السكان»، مقترحة أن تشرع «إسرائيل بالتحدث مع سكان القطاع من فوق رأس حماس؛ من خلال تشجيع بناء البنى التحتية، ونقل الطاقة والمياه؛ وهذا ليس بطيبة قلب -لا سمح الله-  بل انطلاقا من مصلحة إسرائيل الوطنية؛ ويجب عرض بديل للخطة العسكرية من أجل محاولة اجتياز السنوات القادمة بهدوء».


الكاتب : وكالات

  

بتاريخ : 25/04/2017