لماذا تحول صيادون بتونس لتهريب المهاجرين؟

نشرت مجلة «كريستيان ساينس مونيتور» تقريرا لمراسلها تايلور لوك، حول تنامي الهجرة من تونس إلى أوروبا.
ويستعرض لوك في بداية تقريره قصة صياد الأسماك أحمد (اسم مستعار)، الذي يصر على أنه ليس مثل مهربي المهاجرين العاديين، وليست له علاقة بعالم الجريمة، وبأنه لم يرتكب حتى وقت قريب أي عمل غير قانوني في حياته.
ويورد التقرير، نقلا عن أحمد، قوله إن السبب الذي دفعه لاتخاذ القرار بالتوقف عن صيد الأسماك وإرسال قاربه بدلا من ذلك إلى رحلة باتجاه واحد إلى أوروبا هو التلوث، ويضيف أحمد: «أنا مجرد رجل يحاول كسب قوته بأمانة من المصدر الوحيد الذي أعرفه، وهو المحيط.. لو لم يلوثوا مياهنا، لم نكن لنعمل في تهريب البشر».
وتعلق المجلة قائلة إن «أحمد، الذي لم يشأ أن يستخدم اسمه الحقيقي، هو أحد أعضاء صنف جديد من مهربي البشر، فبعد فقدان الأمل في وجود كميات كافية من الأسماك، وبسبب التلوث واسع الانتشار، وقلة وجود فرص العمل في مجالات آخرى، فإن الصيادين يقولون بأن خياراتهم نفدت، فهناك مجموعة من الظروف تدفع بالموجة الكبيرة القادمة إلى أوروبا، وهي موجة قد توصل عشرات آلاف المهاجرين إلى موانئ إيطاليا الصيف القادم».
ويشير الكاتب إلى أن جزر قرقنة برزت بصفتها نقطة انطلاق استراتيجية للمهاجرين إلى أوروبا، فهي لا تبعد سوى 100 ميل عن جزيرة لامبيدوسا، لافتا إلى أن هذه الجزيرة الإيطالية أقرب إلى جزر قرقنة منها إلى صقلية أو أراضي إيطاليا الرئيسية.
ويكشف التقرير عن أن عدد المهاجرين الذين اعتقلتهم قوات الأمن التونسية تزايد إلى ثلاثة أضعاف على مدى العام الماضي، من 3010 عام 2016 إلى 8838 في 2017، بحسب وزارة الداخلية التونسية، مشيرا إلى أن السلطات الإيطالية وثقت وصول 7988 تونسيا بشكل غير قانوني عام 2017، لكن خبيرا تونسيا يتوقع أن يصل الرقم الحقيقي إلى 12000.
وتفيد المجلة بأن جزر قرقنة كانت تعيش على صيد الأسماك منذ أيام الفنيقيين، حيث يدعم اليوم أربعة آلاف إلى خمسة آلاف صياد سمك في جزر قرقنة، 90% من سكان الجزر، البالغ عددهم 15 ألف نسمة، لافتة إلى أن جزر قرقنة كانت تشتهر يوما ما بجودة الأسماك والأخطبوط المصطاد هناك، التي كان يقول الكثير بأن لحومها أكثر نضارة؛ بسبب ملوحة الماء، وكان الصيادون يصدرون لإيطاليا ولأوروبا، لكن ذلك كله تغير في السنوات الأخيرة. ويقول لوك إنه «في ميناء القراطن، وهو واحد من ثلاثة موانئ رئيسية في جزر قرقنة، تخلو الأحواض إلا من ثلاثة صيادين يجهزون شباكهم للصيد الليلي، وكان هناك 12 صيادا، يئسوا من وجود أسماك هذا الشتاء، يلعبون مباراة كرة قدم في حقل طيني بالقرب من الميناء، وكان هذا الميناء عادة ما يكون مكتظا في الصباح، ويشهد على ذلك 50 مركبا مربوطة، أما المقهى الذي كان مكان التقاء الصيادين فهو مقفل».
وينقل التقرير عن صيادين، قولهم إنهم كان يكسبون حوالي 40 إلى 100 دولار في يوم صيد جيد، مشيرا إلى أنهم «يكافحون الآن للحصول على ما قيمته 4 إلى 7 دولارات، إن حصلوا على شيء أصلا».
وتبين المجلة أن «الصيادين الذين لا يزالون يخرجون للصيد، مثل وليد حديدر، وهو متحدث باسم الصيادين في الجزر من قرية النجاة، فيعطي نفسه ساعة ليرى إن كان هناك صيد جيد وإلا عاد أدراجه إلى المرفأ، حيث واجه الصيادون هنا نقصا في الأسماك، ويشيرون باللوم إلى (ثينا بتروليوم سيرفيسس) و(بتروفيس)، وهما شركتان تقومان باستخراج النفط والغاز من البحر بالقرب من الجزر».
ويلفت لوك إلى أن النفط وصل إلى شواطئ الجزر في ماي 2016، عندما انفجر أنبوب ينقل النفط من أحد آبار «تي بي أس»، الذي لا يبعد إلا أكثر من أربعة أميال بقليل عن شواطئ الجزر، بحسب ما تحدث به صيادو جزر قرقنة عن تسرب آخر للنفط في نوفمبر 2017، وألقوا باللوم على أنابيب النفط الموجودة تحت الماء.
وبحسب التقرير، فإن الحكومة التونسية أخذت حوالي 50 ألف دولار غرامة من شركة «تي بي أس»؛ بسبب تسرب النفط عام 2016، فيما يطالب السكان المحليون بأن تقوم الحكومة بتوزيع ذلك المال على الصيادين تعويضا لهم.
وتورد المجلة نقلا عن صيادين، قولهم بأن القوانين البيئية والرقابة أصبحت أكثر ترهلا منذ ثورة عام 2011، ما سمح بمرور تجاوزات «تي بي أس» و«بتروفاك»، دون محاسبة، منوهة إلى أن التقارير البيئية التونسية لم تصل إلى نتيجة، حيث أظهرت إحدى عينات الماء من البحر بأنها ملوثة، في الوقت الذي لم تظهر فيه عينة أخرى تلوثا.
وينقل الكاتب عن صيادين، قولهم إن الإثبات هو في الحياة البحرية أو عدمها، فبالإضافة إلى تراجع كميات السمك والأخطبوط، فإن الصيادين يقولون إن مصدرأ آخر للدخل، وهو الإسفنج البحري، قتله التلوث الجديد، حيث كان الإسفنج، الذي يستخدم في العزل والمواد التجميلية، يعود على الصيادين بحوالي 400 دولار في اليوم خلال موسم حصاده، ( أكتوبر – نوفمبر)، لافتا إلى أن الإسفنج الذي تم تحصيله العام الماضي كان ميتا، ويتحلل في أيدي الصيادين كقطع الكرتون المتبلل.
وينوه التقرير إلى أن السماسرة التونسيين بدأوا الاتصال بالصيادين الذين يعملون في المياه المحيطة بجزر قرقنة عام 2015، بعد وعد الشباب بالعبور إلى أوروبا.
وتذكر المجلة أن قيمة القوارب الموجودة على الجزر، والمصنوعة يدويا من خشب الزيتون هي في حدود 12500 دولار للقارب، مشيرة إلى أنه لاتساع القارب لحوالي 50 مهاجرا، فإن السماسرة كانوا يعرضون على أصحابها مبلغ 42 ألف دولار لإرسالها إلى أوروبا باتجاه واحد.
ويقول لوك إن «هذا العرض مغر بالنسبة للصيادين، الذين يقولون إنهم رأوا كميات الأسماك تتناقص على مدى السنوات الثلاث الماضية، ومع عدم وجود أسماك لبيعها فإن الصيادين اشتغلوا في تهريب البشر».
ويوضح التقرير أنه قبل الثورة التونسية عام 2011، فإن 30% من الشباب التونسيين تحت سن 35 عاما كانوا يعبرون عن رغبتهم في الهجرة غير القانونية إلى أوروبا، بحسب دراسة لمنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لافتا إلى أن هذا الرقم قفز في ظل ظروف الركود الاقتصادي والتضخم والبطالة، التي وصلت بين الشباب إلى 30%، إلى 45% عام 2016.
وتنقل المجلة عن عاصم طرابلسي، وهو في العشرينيات من عمره، قوله إنه حاول الهجرة غير القانونية إلى أوروبا في تشرين الأول/ أكتوبر، بعد أن قضى خمس سنوات يبحث عن عمل.
ويبين الكاتب أن حرس الشواطئ قاموا بإعادة القارب الذي غادر من مرفأ قليبية إلى مكان انطلاقه، منوها إلى أن طرابلسي يقوم الآن بتوفير 1500 يورو (1800 دولار)؛ للقيام بمحاولة أخرى للعبور، لكن هذه المرة من جزر قرقنة، التي يعتقد الكثير بأن فرص نجاح الهجرة منها أكبر، حيث يقول طرابلسي: «بمجرد ما توفر عائلتي المبلغ سأذهب إلى قرقنة.. أفضل الغرق في البحر على الغرق في البطالة».
ويؤكد التقرير أن تلك المخاطر تشكل قلقا كبيرا بالنسبة للصيادين، الذين يفكرون في إرسال قواربهم إلى رحلة باتجاه واحد إلى أوروبا أيضا، مشيرا إلى أن قارب مرفأ العطايا غادر في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لكنه اصطدم لاحقا مع قارب للبحرية التونسية، فقتل 45 مهاجرا أغلبهم تونسيون.
وتبين المجلة أن ذلك الحادث واحتمال خسارة الأرواح يقلقان الصيادين، الذين تتنازعهم الرغبة في كسب قوتهم بأمانة والحاجة لدفع الديون المتراكمة.
وتختم «كريستيان ساينس مونيتور» تقريرها بالإشارة إلى قول محمد شكري، وهو صائد سمك يبلغ من العمر 21 عاما: «اقترحت على أبي أن نرسل واحد من قاربينا إلى أوروبا، فندفع ديوننا ونبني بيتا جديدا.. لكنه قال لي إن ضميرنا سيعذبنا طيلة حياتنا إن فقدت حياة 50 شخصا.. إنه محق، لكن قد لا يكون أمامنا خيار آخر».


بتاريخ : 10/03/2018