ما هي سبل الارتقاء بالإعلام الجهوي وأي إعلام نريده لجهة فاس مكناس؟ 3/3

هنا لابد من الإشارة إلى أن تنزيل وتفعيل وتحقيق الجهوية المتقدمة باعتبارها نموذجا حيا وديناميكيا في مجال التدبير الترابي والمجالي بمكوناته الاقتصادية والسوسيوثقافية رهين بالتحلي بمنطق الوضوح والشفافية والحكامة لدى المسؤولين والأوصياء من رجال السلطة والمنتخبين، سيما مع التطور الذي يعرفه المجتمع المغربي، وبالمقابل التحلي بالموضوعية والمصداقية من قبل وسائط الإعلام كيفما كانت توجهاتها وأنساقها وبنياتها المرجعية، فكما أن الجهوية في التنمية البشرية أصبحت ضرورة ملحة من أجل ضمان التوازن بين الجهات، وتنمية وتطوير المناطق التي تعاني تحديات كبيرة في مجالي الهشاشة والإقصاء. فإن الإعلام الجهوي نفسه مطالب بضبط نفسه باحترام أخلاقيات مهنته وهيكلة نفسه وفق القوانين الجاري بها العمل.
هذا من جهة، من جهة ثانية غالبا يصطدم تنزيل المشاريع التنموية كيف ما كانت بيناتها وهياكلها على أرض الواقع بإكراهات وأعطاب في ظل الاختلالات المشار إليها آنفا، فكيف تستقيم معاملة السلطات الرسمية كمدبرة للجهوية المتقدمة ومع من ستتواصل؟ للوهلة الأولى يبدو أن بعض السلطات الرسمية ميالة إلى إعلام جهوي متملق، يحتجب عن ذكرعيوبها، ويعمل جاهدا على أن يبرز الإيجابي من تحركاتها، خصوصا تلك الخرجات الإعلامية التي تسعى إلى تلميع صورتها، وتجتهد في صناعة الحدث التنموي من فراغ وبرياء مخدوم وبدهاء عال الحبكة. وهذا إلى جانب كونه يعتبر خرقا سافرا لميثاق تنمية الجهة، فهو يشكل ضربة قاضية، وإجهازا رسميا على إعلام جهوي مواكب حي وناقل لانتظارات الناس، ومتفاعل مع قضايا المجتمع ومشاكله وطموح ساكنته.
ومقارنة مع باقي الجهات، نعتقد أن الإعلام الجهوي بجهة فاس مكناس في حاجة الى تشخيص موضوعي لمعرفة وضعه الحالي، أهو في تراجع أم في تقدم؟ ومن المفيد هنا التأكيد أن الدراسة الميدانية بدء من تعبئة استمارة، وضبط بياناتها بموضوعية، واستمزاج الآراء، ضمن نسق البحث الميداني المستند لى المنهجية العلمية، وحدها من تؤكد مخرجات التراجع أو التقدم وضمن أي مجال أو سياق. وإذا كنت شخصيا، ليس لدي التقدير والاطلاع الكافي للإجابة عن هذا السؤال، غير أني أميل إلى فرضية اعتبار الإعلام الجهوي بجهة فاس مكناس سواء من حيث عدد المنشورات المنتظمة الصدور، أم تلك التي تظهر في المناسبات، أكان مكتوبا أو مسموعا او إلكترونيا حتى في أسوإ حالاته يوجد في المقدمة، أو ينافس جهة الرباط البيضاء على الأقل، وذلك للاعتبارات التالية الحمولة التاريخية لفاس بصفتها للعاصمة العلمية للمملكة، وحيوية بعض المرافق السياحية والخدماتية بها، ما يجعلها قبلة للعديد من التظاهرات الثقافية والفنية، ما يثيراهتمام المنابر والوسائط الإعلامية بالجهة، وهو ما ينعكس إيجابيا على الجهة من حيث ترويج المنتوج إعلاميا وعلى أوسع نطاق، أي حد يمكن للإعلام الجهوي أن يكون مرآة عاكسة لهوية الجهة.
أن ترك مسافة بين ممثلي وسائل الإعلام والمنصات المتعددة الوسائط كان محليا جهويا أو وطنيا وبين رجال السلطة في الجماعات والعمالات والمنصات الرسمية، شرط أساسي لخلق الانسجام بين النظرية والتطبيق. فلابد من منصات رسمية للتواصل مع المنابر الإعلامية بالجهة، لابد من شفافية المشاريع، وتكافؤ الفرص في الدعم، وخلق هوامش للتفاعل مع قضايا المجتمع بما يخدم التنمية الحقيقية بالجهة. لقد بينت التجارب أن السلطة تبحث دائما عن من يلمع صورتها، ويسترعيوبها، ويحول انكساراتها وأعطابها التدبيرية إلى انتصارات وهمية، إما على شكل حوارات مخدومة أو تقارير مأجورة، وفي كل الحالات، قتل لئيم لرسالة الإعلام وأخلاقياته المهنية في الصميم. ولا تتعب السلطات في العثور على هذا النموذج من الإعلاميين بالجهة، فهم أول من يطرق أبوابها ومكاتبها،وأول من يروج لحفلاتها وسهراتها وأنشطتها الداخلية، وهم كذلك من يعتبر التقاط صورة مع عامل الإقليم كنزا وثروة لا تقدر بثمن. ويبذلون الغالي والنفيس من أجل تحقيق هذا الحلم.
يمكن أن أجمل هذه السبل في حزمة مطالب أولها: تشجيع الاستثمار في الإعلام الجهوي من خلال منح قروض بفوائد مشجعة، بشكل يساعد على سحب الصحف الجهوية بأثمنة تفضيلية، تأهيل الإعلام المقاولاتي عبر التكوين وإعادة التكوين، تعميم الإعلانات الإدارية والقضائية والتجارية وإعلانات المؤسسات العمومية على جميع المنابر حسب ميثاق داخلي متفق في شانه، تعميم الدعم الحكومي على الصحف الجهوية، منح بطاقة التنقل مجانا عبر القطار للصحافيين الجهويين .. المهنيين، وإدماج التنمية الإعلامية إلى جانب التنمية الاقتصادية الاجتماعية والثقافية في القوانين المنظمة للجماعات المحلية والجهوية، فضلا عن إشراك الصحافة الجهوية في اللجنة المكلفة بإحداث الهيئة العليا للإعلام والاتصال وغيرها من المطالب والاقتراحات التي تدخل في حيز تطوير الصحافة الجهوية. من جهة ثانية، نعتقد أن وضع المعلومة رهن إشارة طالبها، يظل مطلبا حيويا لرجال الصحافة والإعلام، أضف الى ذلك تخصيص مساحات للدعم والاستفادة من حصص الإشهار بشكل متكافئ منصف وعادل، وقد جاء القانون 13-88 منصفا في العديد من أوجهه، وفي السياق نفسه لابد من الإشارة لأبرز مستجدات مشروع قانون الصحافة والنشر، كما صادق عليه مجلس النواب، وتحقيق الاعتراف القانوني بحرية الصحافة الإلكترونية، بالإضافة إلى إرساء الحماية القضائية لسرية المصادر، وضمان الحق في الحصول على المعلومات وفقا للقانون، وإقرار حقوق الصحافيين، والمراسلين الجهويين وإرساء التزام الدولة بالحماية القانونية والمؤسساتية للصحافيين من الاعتداء، وتعزيز ضمانات استقلالية الصحف، وإرساء شروط الحياد والشفافية وتكافؤ الفرص والتعددية في الدعم العمومي الموجه للصحف. كما ينص هذا المشروع على الحماية القضائية لحرية الصحافة وتقوية ضمانات المحاكمة العادلة في قضايا النشر وجعل الاختصاص المتعلق بحجز الصحف أو حجب المواقع الإخبارية الإلكترونية اختصاصا قضائيا، مع إرساء إصلاح شامل وعميق لمنظومة القذف بما يمكن من احترام الحياة الخاصة والحق في الصورة وحقوق الأفراد والمجتمع. «
لابد أيضا لابد من القطع مع صحافة من يوصفون بذوي السوابق ومن يمارس صحافة الابتزاز والنصب على المواطنين، فقد اشترط القانون الجديد أن تكون الممارسة وفق مقتضيات القانون وأخلاقيات المهنة التي يدخل في إطار مجموعة القيم والأعراف والتقاليد، وروح المسؤولية واحترام الحياة الخاصة للأفراد وتفادي القذف والتجريح .
وإجمالا، فإن ما ينتظره المهنيون في الصحافة الجهوية حتى يكون التواصل والبناء عملا جادا وفعلا وحقيقيا بين وزارة الثقافة و الاتصال وبين مختلف مكونات الجسم الصحفي والإعلامي الجهوي والوطني، هو الانخراط الجاد تنظيرا وتطبيقا بروح وطنية عالية في أفق تفعيل دولة المؤسسات، وبناء دولة دمقراطية ومتقدمة خدمة للمهنة والمهنيين، ونهوضا بالتنمية الشاملة ، في ظل فضاء الحرية والكرامة والمسؤولية الحقة، الواعية والمسؤولة في ظل مغرب الجهوية المتقدمة و الموسعة.


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 10/12/2018