ملفات قضائية .. بين خرائط التشرد والمخدرات.. الطريق الى القتل

كان كلما جلس إلى مائدة الطعام أمطره القريب بجملة من النصائح داعيا إياه إلى تقويم سلوكه والبحث عن حرفة يتعلمها، واعدا إياه أنه سيتدخل من اجله لدى العائلة لإعادته إلى حضنه. فكيف سيرد على جميل قريبه الذي أشفق عليه وحاول إنقاذه من التشرد وفتح له أبواب بيته بعد أن طردته العائلة بسبب سوء تصرفاته التي أصبحت تعكر صفو الصغير قبل الكبير جراء صولات وجولات القريب؟
الخطوة الاولى ….تمرد

كان الكل يعامله تعاملا جيدا بمن فيهم الطفلة الصغيرة التي لم تكن تناديه سوى بعمي ،إلا أنه كانت للقريب فكرة أخرى. فقد قرر في غفلة من الجميع أن يشبع غريزته الحيوانية من جسد ملاك صغير لم يتعد سنها العشر سنوات. لقد هتك عرض ابنة خاله الصغيرة وقتلها بعد أن خنق عنقها الصغير بيديه الوسختين شر قتلة.
ما الذي كان ممكنا أن ينتظره المرء من شاب نشأ متمردا على أعراف الأسرة، فلا أقسام المدرسة استوعبته ولا الأسرة استطاعت أن تعيده الى دفئها .غادر المدرسة في وقت مبكر، دون أن يكون قد تجاوز الطور الأول من التعليم الأولي ، حاولت معه الأسرة من أجل الاندماج في سوق الشغل بمساعدة والده في المعمل الذي اعتاد العمل به،لكن دون جدوى .
لم يستطع التأقلم مع جو العمل حيث ظل «يتمارض» طيلة الأيام التي قضاها في العمل الى أن قرر ذات صباح التمرد حتى على والده رافضا مرافقته الى العمل، فما كان من الوالد إلا أن أشبعه ضربا وأنذره بمغادرة البيت الأسري فورا دون عودة، وهو مازاده إصرارا على العناد.
غادر البيت ولم يعد إليه إلا بعد أيام ، وبعد أن استفسره والده عن مكان غيابه، لم يستطع تبرير غيابه ومكان تواجده طيلة تلك الأيام .
وبحكم أن الوالدة أكثر حنانا فقد عمدت الى احتضان الإبن العاق في نظر الأب ليسر لها أنه اتخذ سوق الجملة مأوى له، وهو المدرسة التي تلقن بها ضروب الانحراف والتمرد.
ظل الطفل يخبر ممرات السوق ويساعد هذا وذاك من أجل دريهمات معدودة عله يجمع في آخر النهار مايشتري به قنينة خمر أو لفافات حشيش حتى أنه قضى سنوات في ممرات السوق الذي يبيت أحيانا في دهاليزه .
الطريق الى المخدرات

انخرط بداية في شبكات تستعين بخدمات مبتدئين من أجل ترويج موادها سواء تعلق الأمر بالمخدرات أو الخمور مقابل أجر من المادة التي يتم ترويجها حيث يتسلم بعد كل عملية ناجحة مبلغا ماليا أو جزءا من البضاعة كأجر على خدماته، إلا أن إسمه سرعان ما وصل الى رجال الأمن الذين وضعوه في لائحة المبحوث عنهم. وماهي إلا أسابيع قليلة حتى كان في سيارة الأمن التي قادته الى مخافرها من أجل الاستماع إليه وتقديمه أمام أنظار وكيل الملك حيث حوكم بسنة سجنا نافذا.
نقل الى السجن الذي لم يكن يعرف بعد خرائطه المظلمة، كما لم يكن قد تعرف بعد على نزلائه الذين قادتهم ظروف معينة اليه .قضى أيامه الأولى في زنزانة النزلاء الجدد يأكل طعام السجن وبقايا طعامهم قبل أن يتم ترحيله الى زنازن المحكومين التي تبقى مجالا خصبا لأفلام الخيال العلمي والتباهي بالجرائم. و ما هي إلا أيام معدودة حتى وجد نفسه مندمجا مع عتاة المجرمين الذين سيتعلم منهم أبجديات كما تفاصيل العديد من الجرائم التي اقترفوها، والتي بدأت تظهر له سهلة التنفيذ وتتيح له الحصول على المال الوفير.
قضى سنة في السجن وغادره بعد انتهاء محكوميته حيث وجد في انتظاره والدته التي حن قلبها عليه وأرادت من لقائه هذا أن تعيد له الدفء والحنان، وقد استطاعت بالفعل أن تعيد له بعضا من الأمل. و حاولت طيلة المسافة التي قطعتها أن تقدم لابنها النصائح وتبسط أمامه ما قام به أقرانه بالحي ومن أفراد العائلة، وبوصوله الى بيت العائلة وجد الأب الذي عانقه وطلب منه أن يعود الى جادة الصواب مؤكدا له أن باب التوبة مفتوح وأن بيت العائلة سيكون له خير سند
لا عبرة من السجن
النزعة الإجرامية ورغم كل ما قدم له من وعود من طرف العائلة وماقدم له من خدمات لم يستطع التأقلم معها حيث قرر في غفلة منهم عدم العودة الي البيت معانقا مرة أخرى ممرات سوق الجملة حيث اعتاد لقاء رفاق السوء، إلا أنه بعد احتسائه كمية كبيرة من الخمر قرر العودة الى بيت العائلة. وفي الطريق حيث التقى أحد الجيران الذي كان يستعد من أجل الذهاب الى العمل. وبمجرد أن حملق فيه حتى وجه اليه جملة من السب والشتم قبل أن يستل سكينا ويوجه له ضربة تركته كله دما ، وبمجرد أن طرق باب أسرته قرر الوالد أن يطرد ابنه للمرة الأخيرة والى الأبد خاصة وأن المصاب من بين الجيران المحترمين الذي يقدم خدمات جليلة لكافة الجيران.
نهاية «مجرم عائلي» ….!؟

لم يجد من مكان يقصده. وظل هائما على وجهه الى حدود الساعة التاسعة صباحا حيث قصد منزل الخال الذي ما أن طرق بابه حتى استضافه في بيته. وبعد الاستماع الى إفاداته أكد له أن سيصلح الأمر مع عائلته في القريب العاجل. قضى اليوم كله ما بين النوم والتفرج على جهاز التلفزيون حيث تناول معهم الوجبات الغذائية الثلاث. وفي الليل منحه خاله فراشا في صالون البيت أملا في إقناعه بالعدول عن جرائمه باسطا أمامه أن البيت الأسري يعتبر أحسن مكان للعيش في سلام، إلا أن ابن العائلة الذي سيتحول الى وحش كاسر، كان له رأي آخر. فما أن أرخى الليل سدوله حتى تسلل الى الغرفة المجاورة حيث كانت ابنة الخال تغط في نوم طفولي عميق وعمد الى إخماد أنفاسها الصغيرة بيديه الوسختين وبعد أن تأكد من وفاتها جردها من ملابسها وقام باغتصابها في منظر مقزز قبل أن يفر من المنزل في اتجاه مجهول.
وبحكم أن الاطفال توقظهم الكوابيس ويرددون أحلامهم بجهر فإن الأم لم تسمع تلك الليلة أي من أحلام الطفلة فأرادت أن تتعرف على سر سكون غرفتها والاطمئنان على صغيرتها، فدخلت الغرفة حيث حاولت إيقاظها دون جدوى. استمعت الى دقات قلبها فعلمت أنها توقفت فأطلقت صرخة قوية أيقظت الأب كما الجيران حيث دخل الأب في غيبوبة فيما فقدت الأم كل صلة بالواقع جراء هول المصيبة فجر تلك الليلة. كانت الجريمة ناقصة وكان المشتبه فيه معلوما. إنه القريب وابن الأخت.
لم يكن المشتبه فيه غريبا عن عناصر الأمن التي اعتادته متسكعا كل يوم بسوق الجملة كما اعتادته من ذوي السوابق القضائية في مجال ترويج المخدرات. وماهي إلا ساعات قليلة حتى كان في قبضة رجال الأمن حيث كان يصدر قهقهات التهكم على إلصاقهم تهمة قتل إبنة خاله التي ليست سوى طفلة صغيرة ،إلا أن تضييق الخناق عليه بالأسئلة وبفراره من المنزل باكرا قاده الى الانهيار والاعتراف بارتكابه هذه الجريمة النكراء، فتقرر وضعه رهن تدابير الحراسة النظرية وإحالته على وكيل الملك الذي أحاله بدوره على التحقيق.
لم يجد المتهم بدا من الاعتراف بجريمته التي ارتكبها تحت تأثير المخدرات التي كان قد تناولها قبل ارتكابه الفعل .كما أنه لم تكن له نية قتلها وهو ماحاول ترديده أمام هيئة المحكمة التي كان لها رأي آخر، حيث آخذته من أجل المنسوب إليه وحكمت عليه بالسجن المؤبد الذي لم يسكن حرقة أم مكلومة وأب أراد أن يقدم جميلا الى إبن شقيقته فكان مصيره حمل جرح طيلة حياته.


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 19/09/2017