منتدى أصيلة يناقش ضمن آخر ندواته «الفكر العربي المعاصر والمسألة الدينية»

الإصلاح الديني مسيج بالمقدس، والمؤسسات الدينية الرسمية عاجزة عنه

 

تناولت الندوة الكبرى والثالثة من ندوات منتدى أصيلة في موسمه 39، يوم الجمعة 21 يوليوز الجاري، إشكالية «الفكر العربي المعاصر والمسألة الدينية»، لما تمثله هذه العتبة من عتبات الإصلاح من أهمية، في ظل وضع دولي أصبح معه طرح هذا السؤال المتعلق بالتجديد والمساءلة لمواجهة أسئلة العصر عربيا ودوليا، أصبح متسما بصبغة الآنية والاستعجال، حفاظا على صورة الإسلام والمسلمين ودحض الصورة النمطية التي كونها الغرب عن هذا الدين.

محمد بن عيسى أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، وفي افتتاحه لأشغال هذه الندوة، اعتبر أن ما « نفتقده في الفكر العربي المعاصر، سواء بخصوص مواجهة المسألة الدينية أو سواها من القضايا الكبرى، هو غياب العمق وبعد النظر والقدرة على الاستشراف»، متسائلا عن أسباب هذا الانحسار الفكري بعد ما تحقق في عصر النهضة بفضل مفكرين توفقوا في مواجهة مشاكل عصرهم بالأدوات المتاحة.. بل تصدوا بجرأة فكرية نادرة للطابوهات والمواضيع المحرمة دون شطط فكري أو شعبوية منفرة».
من جهته، اعتبر الكاتب والصحفي، والعضو المؤسس للمؤتمر القومي العربي ووزير التربية والتعليم البحريني سابقا، علي محمد فخرو، أن سؤال الثقافة العربية أصبح اليوم سؤالا ملحا وضمنه قلب هذه الثقافة أي الدين الذي أصبح لزاما على كل محاولات التحديث والانتقال، مواجهة أسئلته وقضاياه لأنه كان دائما في قلب ما جرى ويجري في السيرورة التاريخية للعرب وعلاقاتهم مع الآخر. وأضاف فخرو أنه على مدى عقود، مر الدين بأربعة أنماط يمكن معها استخلاص قابلية المجتمعات لهذه التنقلات، مميزا بين أربعة أنماط:
n النمط المظهري ومس المظاهر من لباس واختلاط وهو الذي أدخلنا في صراع مع الغرب، ويمس اليوم الوجود العربي والإسلامي داخله.
n النمط الطائفي الذي ساد تاريخيا في كل المجتمعات الإسلامية، إلا أنه كان يتسم بسيادة نوع من التعايش الذي ظل قائما في إطار الاختلاف عكس ما نلحظه اليوم من تعصب للمذهبية التي ذهبت حد تقديس الأشخاص، ما أدى إلى الخوف من الآخر وكأن المذاهب الأخرى خارج الدين الإسلامي، الشيء الذي أدخل العالم الإسلامي مجال تسييس الدين.
n النمط الإرهابي: وهو نمط قلب موضوع الدين برمته في كل العالم، وهو الذي يهدد الوجود الإسلامي داخل الدولة الإسلامية أيضا من خلال التشكك في الدين وتركه بسبب ما يرتكب باسمه، وأدخلنا في صدام مع الغرب الذي أصبح متخوفا من الإسلام والمسلمين.
n النمط الإعلامي: يمثله توالد وانتشار القنوات الإعلامية التي تروج وتسوق صورة إسلام جديد لم نألفه في المصادر الأصلية، وهو ما يهدد بتفجر الإسلام ويجعلنا أمام إسلامات وليس إسلام واحد.
واعتبر فخرو أن هذه الأنماط تتصل بثلاث قضايا: أولاها مرتبطة بالتراث الديني، مؤكدا على ضرورة الحسم في هذا المكون وذلك بنقد وإعادة تركيب الأصول الفكرية له، وثانيها طرح السؤال عن المستفيد من هذا الوضع، وثالثها المتعلق بالثقافة العولمية المعاكسة للثقافة الإسلامية.
الكاتب والمحلل السياسي الأردني، ووزير الإعلام الأردني سابقا صالح القلاب ، أثار مسألة تطويع الدين بما فيه كل الفرائض المرتبطة به لصالح السياسة، إذ أصبحت الشعائر الدينية نوعا من الاستعراض السياسي في ظل تحول الأحزاب الإسلامية إلى العمل تحت يافطة السياسة، ما اعتبره نتيجة لفشل الحركات التحررية وسببا مباشرا في إنتاج حركات وتنظيمات إرهابية تقدم صورة سيئة ودموية عن الإسلام، داعيا إلى فصل الدين عن الدولة.
وفي تطرقه لإشكالية الفكر العربي المعاصر والمسألة الدينية، حاول محمد حداد الباحث التونسي المختص في الحضارة وتاريخ الأفكار، وأستاذ كرسي اليونسكو لعلم الأديان المقارن، استقراء علاقة المسلمين بالدين ليجد أن نسبة التمسك بالدين بين المسلمين تعد الأعلى بما بين 85 بالمائة إلى 100 بالمائة ، مقابل 20 بالمائة في أوربا و50 بالمائة بأمريكا، مشيرا إلى ملحاحية الحاجة إلى الدين المقرون بالعلم، والذي لا يقتصر على التعليم الديني كما يحصل اليوم من قصْر صفة العالِم على علماء الدين والفقهاء واستثناء جميع العلوم الإنسانية الأخرى. وأكد حداد في تدخله أن الحاجة اليوم تتجه إلى البحث عن سياسة لا تقوم على العقائد بقدر ما تقوم على اقتسام سلمي للثروات وعلى ميزان القوى والتفاوض الذي ليس بتاتا مجالا للدين، مع ضرورة تحديد المجالات ووضع الدين كمجال ضمن باقي مجالات الحياة. وأضاف أن خوض معركة التأويلات الدينية من منظور تجديدي أصبحت مطلوبة بالنظر إلى أنه بدونها لا يمكن ربح رهان الحداثة، داعيا إلى الالتفات إلى النمط الروحاني الشعائري بما يشكله من سند للترابط الاجتماعي والتفريق بين الدين كقيم عليا وبين تحويله إلى مطية غايتها الوصول إلى السلطة.
ونظرا لما تحتله المسألة الدينية في الفكر العربي المعاصر من مكانة محورية وحساسة في نفس الآن، فقد اعتبر المفكر والباحث العراقي وأستاذ القانون الدولي عبد الحسين شعبان، أن إصلاح المجال الديني يبقى محفوفا بتخوف مزدوج نابع من تحكم السلطة الحاكمة ومؤسساتها الدينية في هذا المكون، بالإضافة إلى الخوف من ملامسة المقدس عند العامة، مع ما يتميز به القديم من مقاومة ورفض للجديد الذي قد تسبغ عليه صفة البدعة، مضيفا أن مهمة الإصلاح اليوم بقدر ما تحتاج إلى مؤهلات فكرية، تحتاج أيضا إلى شجاعة على اقتحام المقدس، شجاعة تقصي كل تخوف مسبق من إطلاق الأحكام والتهم ضد المفكرين. وتساءل شعبان عن الجهة المخول لها القيام بهذه المهمة الإصلاحية: هل من داخل المؤسسات الدينية العاجزة والمتخوفة من الاصطدام مع العامة ما سيؤدي إلى عزلها ومحاصرتها أمام رجال دين لا يتدخلون إلا لنشر التأويلات الضيقة لحفظ مصالحهم، أم من خارجها؟
وأضاف شعبان أن أي محاولة لفهم التاريخ العربي بمعزل عن الدين، المكون الروحي والغيبي، هي نوع من الحلم أو الاستعارة بإسقاطات من بعض الأشكال الغربية، مشيرا إلى أن هذا التناول يجب أن يميز بين أربعة مستويات: ماهية الدين، ماهية الإيمان، سيكولوجيا الدين، سوسيولوجيا الإيمان، بعيدا عن كل نظرة تبريرية لاستهداف الدين من الآخر الغربي «الويستوفوبيا» مع ما صاحبها من دعوات للحفاظ على نقاء العقيدة، وهي النظرة التي أدت اليوم إلى سيادة ما يعرف بظاهرة «الإسلاموفيا» والتخوف من الإسلام.
الروائي والكاتب المغربي أحمد المديني اختار الحديث عن المسألة الدينية من مساحة الحرية والحيز الذي تمنحه المعتقدات الدينية للكتابة الإبداعية، إذ اعتبر في ورقته المعنونة بـ» الكاتب العربي والمسألة الدينية» أن موضوع «الفكر العربي والمسألة الدينية» قُتل نظرا وبحثا على أكثر من وجه وبعديد مقاربات ومناهج «منذ انكب هذا الفكر في بداياته في النصف الثاني من القرن 19 على رهانات النهضة وقضايا التنوير»، مثيرا أسئلة الكتابة واللغة التي تحد من سلطة الكاتب على النص الذي يكتب تحت ضغط المحظور الديني، واستحضار الأدبيات الدينية والتأرجح بين الحلال والحرام حتى يتجنب الكاتب تهم الزندقة والمروق والإلحاد، وهي التهم التي تلصق بكل مفكر عربي يتلفظ بخطاب ذي خط عقلاني أو منزع علماني».


الكاتب : أصيلة: حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 24/07/2017

أخبار مرتبطة

تعني الكتابة في ما تعنيه، أن تتواجد في مكان آخر بينما أنت قابعٌ في مكان مّحدد المعالم، أي أن تكون

يرتقب أن تستقبل مؤسسة»أرشيف المغرب» معرضا خاصا بمسار عبد الواحد الراضي، القيادي الراحل في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وقبله

  بالنسبة لقارئ غير دروب بالمسافات التي قطعها الشعر المغربي الحديث، فإنّه سيتجشم بعض العناء في تلقّي متن القصائد الّتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *