موسيقى وشعر ودموع في الذكرى الأربعينية لوفاة عزيز الوديع

احتضنت قاعة عابد الجابري المتواجدة بمؤسسة الأعمال الاجتماعية لرجال ونساء التعليم، الهمداني، مساء يوم الجمعة 12 أكتوبر الماضي، الحفل التأبيني الذي نظمته عائلة الوديع بمناسبة الذكرى الأربعينية لوفاة الصحفي والأديب عزيز الوديع.
وقد اختارت عائلته الصغيرة والكبيرة، لهذا الغرض، أن يكون الحفل، الذي قدمت فقراته الفنانة التشكيلية غيثة الصالح، مفعما بالشعر والموسيقى والفن على العموم، فضلا عن شهادات الأصدقاء والأهل المؤثرة، جعلت اللقاء يمتزج فيه الطرب.. بالدموع والابتسامة ..
وفي هذا الصدد، صدحت ردهات القاعة بصوت وعزف الفنان فتاح نكادي، الذي أدى أغنية أنجزت خصيصا لهاته المناسبة، وهي من ألحانه وكلمات الزجال وصديق العائلة، محمد حساين، ويقول مطلعها:
لوكان الموت يفوض غادين نفوضوه
ولوكان العزيز يتعوض كنا نعوضوه
لكن الموت كيرحل وخا نعارضو ..
كما استمتع الحضور بأداء صديق العائلة الفنان حسن شيكار لأغنية من شعر أبو الطيب المتنبي.
وكان لشهادة كل من بثينة ابنة الفقيد وسامية ابنة شقيقه الأصغر توفيق، الشابتان الصغيرتان اللتان لم تتجاوزا بعد ربيعهما العشرين، وقع كبير على الجميع، حيث عبرت بثينة بنبرة لا تخلو من حزن بالرغم من محاولتها التماسك، عن إحساسها وعما اختلج في قلبها جراء الفقدان، قائلة إن الكلمات سوف لن تعكس قوة الحزن الذي تشعر به ولا ذاك الألم الذي يخترقها وبأن الذكريات ستبقى دائما حائلا بينها وبين العالم المحيط بها، لأنها لم تفقد فقط الأب بل أيضا الصديق الذي كانت تبوح له بأدق أفكارها، هو الموجه والشخص الذي عرفت معه الحياة وجربت معه الحزن كما الضحك..
سامية كذلك، أكدت بأنه لم يكن فقط بمثابة عم لها ولكن كان أيضا الوالد والصديق الذي يشع المنزل فرحا وابتساما حالما يلجه.
ودائما في إطار مداخلات العائلة، فقد كان لأسماء الوديع المحامية والحقوقية وشقيقة عزيز، التي انتدبت من طرف العائلة لتقديم إحدى جوانب شخصية شقيقها، حضور متميز، بحيث قرأت مقاطع من مؤلفات المرحوم، وكانت عبارة عن نصوص معبرة تعكس بعضا من نظرته للحياة هو الابن لأسرة خبر أغلب أفرادها المعتقلات، والذي ولج هو أيضا السجن مدة طويلة ولم يكد يتجاوز آنذاك السبع عشرة سنة.
الابن الأصغر لعائلة الوديع، صاحب كتاب «ذكريات عبرت»، تكلم من جهته وباسم العائلة قائلا إنه وجد من الصعب رثاء أخيه وهو في حضرة رفقائه الذين تقاسموا معه أيام الاعتقال، وتعسرعليه رثاء من أصبح لا يفارقه بعد الإفراج عنه، مصرحا بأنه اكتشف بأن خير ماقيل عن عزيز جاء على لسان وبقلم أشخاص رحلوا وهم على التوالي، والدته ثريا السقاط خلال فترة اعتقال ابنها ووالده محمد الوديع الأسفي الذي نظم شعرا في نفس الفترة ثم شقيقته أسية الوديع بعد أن صدر مؤلف المرحوم «سرقنا ضحكا».
بدورهم بصم أصدقاء الفقيد هذا الاحتفاء بشهاداتهم وأثاروا جوانب مختلفة من خصال عزيز الوديع الذي رافقهم أيام السجن إبان «سنوات الرصاص» وأجمعوا على أن عزيز الوديع كانت له ملكة الضحك في عز الألم والمأساة وتلك السخرية السوداء التي طبعت مجمعهم داخل السجن وخارجه وعكستها نصوصه الأدبية والصحفية أيضا، وقال محمد الحبشي بأن رفيقهم علمهم، بالرغم من كونه كان أصغرهم، «كيف يواجهون قساوة السجن ومحنة الاعتقال بشجاعة وثبات وبسخرية» .
كما صرح صديقه الشاعر توفيق بلعيدي، باسم «منتدى المغرب المتعدد»، بأنه لم يرغب في الإدلاء بشهادة «رسمية» ،على حد قوله، كما تتطلبها عادة مثل هاته المناسبات، لأن الفقيد في نظره لم يكن «رسميا» ولم يكن يسعى للنياشين بل كان «يسير بمحاذاة النهر يعلم الضفاف كيف تكون وفية للمجرى» وأضاف متوجها لرفيقه المتوفى «لقد اخترت الرحيل وحيدا ولكنك مقيم في الآخرين حاضرا فينا وهذا هو العزاء…» .
وأدلى الصحفي والباحث لحسن لعسيبى أيضا بشهادته نيابة عن صحافة حزب الاتحاد الاشتراكي، حيث سبق للفقيد واشتغل كصحفي بأحد منابرها ويتعلق الأمر بجريدة «ليبراسيون» ، وأوضح لعسيبي بأنه فضل أن يكتب نصا بهذه المناسبة، عنونه «الطفل الحزين راح»، لأنه،على حد قوله: «هناك بعض اللحظات تقتضي كلمات تكون مختارة لأن للحظة هيبتها وللرجل مكانته التي تفرض أن يخاطب بالجدية اللازمة»،مضيفا بأن « لِعزيز وضعا مختلفا تماما عن كل آل الوديع لأن محنته مختلفة، حيث اعتقل وهو لم يبلغ بعد السبع عشرة سنة وظل نموذجا لمحنة حقوق الإنسان ببلد اسمه المغرب في سنوات السبعينيات».
بالموازاة مع ذلك، وفي ركن قصي من أركان القاعة، تم عرض مجموعة من الصور بشكل بسيط ولكنه جميل، اختير له كشعار ‘الحب» الذي جسده ذلك القلب الذي توسط الصور، معرض كان له تأثير خاص على من عرف الفقيد وعائلته عن قرب وعكس فترات مختلفة من حياة عزيز رفقة أصدقائه وأهله، كما تم عرض فيلم مصور يبرز في لقطة من لقطاته الفقيد رفقة والدته الشاعرة ثريا السقاط بمعية والده المقاوم و الشاعر المرحوم محمد الوديع الأسفي، وأخرى وهو يلقي كلمة بمناسبة وفاة والدته ثم في لقطة حميمية في بيت الأسرة وهو يغني رفقة صديق يعزف على العود ومجموعة من أفراد العائلة…
ودع الحضور بعضهم البعض في عناق وتبادل لذكريات منها المضحكة ومنها القاسية وبأيدي أغلبهم مجموعة من مؤلفات الفقيد تم إهداؤها للضيوف من طرف المنظمين، وهي للإشارة،
مؤلف «ملح و إبزار» (عن الله..والحب والموت)، وهو عبارة عن تأملات فلسفية وقد نشر سنة 2013 بمطبعة دار القرويين.
مؤلف «ملح و إبزار» وهو عبارة عن محكيات سجنية وقد نشر سنة 2003.
مؤلف «سرقنا ضحكا» عبارة عن محكيات من نشر «الفنك».


الكاتب : سهام القرشاوي

  

بتاريخ : 19/10/2018