ندوة الموكب الأدبي بوجدة تناقش أسئلة الدياسبورا الإبداعية لجهة الشرق

عرفت وجدة، خلال الفترة الممتدة ما بين 15 و17 شتنبر 2017، تنظيم فعاليات الموكب الأدبي، في دورته الخامسة، الذي تنظمه جمعية كفايت للثقافة والتنمية، بدعم من وكالة تنمية أقاليم جهة الشرق، على بعد أيام قلائل من احتضان عاصمة الشرق نفسِها النسخة الأولى من المعرض المغاربي للكتاب (من 21 إلى 24 شتنبر). ومن أبرز فقرات الموكب، الذي اخْتِير له شعاراً هذه السنةَ «مسار الحروف»، تنظيم ندوة نقدية، من جلستين، لمناقشة جملة من القضايا والأسئلة التي يطرحها أدب كتاب الجهة المقيمين بمختلف المَهاجِر، بمشاركة عدد من الباحثين في الأدب والنقد.
فقد استُهلّت الندوة بمداخلة قيّمة للدكتور عبد الواحد عرجوني حول «إصدارات أدباء جهة الشرق المقيمين بالمهجر»، مركزا على إقليمي الناظور والدرويش تحديدا، وقد حاولت تقديم «جرد ببليوغرافي» وصفي لتلك الإصدارات، متبوعاً بـ»دراسة تحليلية» وتعليقات عليها. وتلَتْها مداخلة الدكتور جمال الدين الخضيري حول «الرواية المغربية المكتوبة باللغة الكَتَالانية»، مقتصرا على إبداعاتِ روائيةٍ مغربية مقيمة في إسبانيا، نالت هناك جوائز رفيعة عن بعض إبداعها، الذي يمتاز بكثير من الجرأة في طرح القضايا الحساسة، وهي الكاتبة الريفية المقيمة بمنطقة كتالونيا نجاة الهاشمي، التي تطرقت، في رواياتها، إلى سلطة الأب في المجتمعات المحافظة، وإلى موضوعتي الشرف وزنا المحارم وغيرهما، وتناولت عددا من الطابوهات، متوسلة بلغة شفافة جريئة، وبقاموس جنسي واضح، وبعوالم أسطورية وغرائبية… فقد ركز المتدخل كلامه على تقديم قراءة مضمونية في منجز الهاشمي الروائي، مقتصرا على أنموذج منه توّج مؤخرا في إسبانيا، هو «البطريق الأخير»، الذي يعالج الحضور الباطرياركي للأب ميمون الدريوش في مجتمعها الريفي الذي تنحدر منه، وأثره الحاسم في مجموع الواقعين تحت سلطته، ولاسيما ابنته التي تنزع نحو التحرر، والإقبال على الحياة في المهجر الأوربي. ولاحظ جرأة الكاتبة في هذه المعالجة، وعَمْدها إلى «نشر غسيل» مجتمعها، وفضحه ليراه الآخرون على حقيقته في زَعْمها الضمني؛ مما جرّ عليها نقدا كثيرا، وقيلا وقالاً. وتساءل الخضيري عن معايير تتويج أعمال من هذا القبيل، وهل من الضروري أن يسلك المبدع مثل هذا المسلك الجريء ليحظى بجائزة؟! مُحيلا على نماذج مشابهة (محمد شكري – الطاهر بن جلون…)، أبدعت أعمالا جريئة كشفت من خلالها محظورات وطابوهات؛ فحازت لقاءَ ذلك -ربما- جوائز مرموقة من الخارج خصوصا.
وحملت مداخلة الدكتورة جميلة رحماني عنوانَ «صورة الأنا والآخر في المُنجَز الإبداعي لمحمد ميلود غَرّافي»؛ الكاتب البَرْكاني المقيم بفرنسا، محاوِلةً رصد تفاصيل هذه الصورة، وكشف أبعادها المختلفة، في أشعار غرافي وإبداعاته بصفة عامة. وتمحورت مداخلة الدكتور محمد دخيسي (أبو أسامة) حول «رواية الواقع وخصوصيّة التخيّل» في روايات أحمد حضراوي؛ الكاتب الوَجْدي المقيم حاليا ببلجيكا، وقد صرف اهتمامه النقدي فيها إلى ثلاثيته الروائية المكوّنة من «عصابة شيرين وببلاوي»، و»في شراك أحمد بخيت»، و»شيـشِنْق»، مسجِّلا عليها ضعفها الفني والإبداعي عموما، وأن صاحبها كان عليه أن يتريّث قبل الإقدام على نشرها، وأن بعضها يبدو أقرب إلى مَحاضر ونصوص تسجيلية تقريرية. واختتمت الندوة بمداخلة الدكتور فريد أمعضشو التي انصرفت إلى تناول مكوّن «الوصف في رواية «ذئب أصهب» لمصطفى الحمداوي»، وهو كاتب مغربي عصامي ينحدر من إقليم الدريوش، يعيش في هولندا منذ أزيد من عقدين، وروايته هذه، الصادرة ضمن منشورات الموكب الأدبي، في نسخته الحالية، تحكي قصة «إرهابي تائب» بطريقة متمكنة في الحكي، وقد ركز الباحث على دراسة أسلوب الوصف في هذه الرواية، التي يمكن عَدُّها «رواية تصويرية» بامتياز؛ لحضور هذا المكون الخَطابي فيها بصورة لافتة للانتباه، على اختلاف أنواعه ووظائفه وأبعاده فيها.
وفي أعقاب إلقاء هذه العروض، فُتح الباب أمام الجمهور النوعي، الحاضر إلى إحدى قاعات مسرح محمد السادس بوجدة للاستماع إليها، من أجل مناقشتها وإغنائها.
وتجدر الإشارة إلى أن الموكب الأدبي قد وزّع، بالموازاة مع تنظيم هذه الندوة، عشَرة كتب أصدرها لمبدعين من جهة الشرق المغربي يقيمون بالغرب، وهي: الطبعة الثانية لرواية «مرايا» لمصطفى شعبان، و»عواصف العمر…!» ليحيى الشيخ (شعر)، و»نزْف قلم مغترب» لحسناء الشيخي (نصوص)، و»في مهبّ اليُتم» للتجاني بولعوالي (شعر)، و»ذئب أصهب» لمصطفى الحمداوي، و»La nuit» لنصر الدين بوشقيف (شعر بالفرنسية)، و»صفير» لنور الدين بنبورحلة (شعر)، و»أمضغها علْكاً أسود» لمحمد ميلود غرّافي (شعر)، و»شيـشِنْق: الأمازيغي الذي حكم مصر» لأحمد حضراوي (رواية)، و»شفتاك عنب الله» لإدريس شبلا (شعر).
ويُذكر أن الموكب الأدبي؛ كما يقول القيّمون عليه، وكما يريدون له أنْ يكون، هو «موعد ثقافي يترسخ بجهة الشرق من المملكة.. موعد للتفاعل الثقافي الرفيع، ومناسبة لتثمين رأسمالنا اللامادي، وتظاهرة للكشف عن جانبٍ من إرثنا الرمزي الذي يشكل أحد أوْجُه ثروتنا، وإحدى روافع الإقلاع التنموي لجهتنا وبلدنا».


بتاريخ : 20/09/2017