هل يستجيب رهان تعميم التعليم الاولي لمبدأ تكافؤ الفرص بين أطفال المغرب

يراهن المغرب على تعميم التعليم الاولي في كل ربوع الوطن، كمدخل لإصلاح منظومة التعليم ،فهل حقا يستجيب هذا الرهان وواقع حال التعليم في بلادنا،  والى أي حد يتم ترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص في تعليم تتعدد  ملامحه بين كل مدينة وقرية ومدشر، وبين كل مدرسة وكتاب، و كل منهج ومدرس،وهل هناك منهجية واضحة مدروسة المدى، ام اجتهادات مرحلية تؤول كسالفاتها الى التغيير بعد فشل التجريب. إلى اي حد سيساهم  التعميم في كسر الفارق بين تعليم في المدن يسلك مسالك الدولية وبين تعليم في القرى بالكاد يحارب الامية.

 

حظي التعليم الأولي بأهمية كبرى في الدخول المدرسي الحالي،غطت على باقي الانشغالات والاشكالات الاخرى التي تتخبط فيها المنظومة التعليمية ، حيث تميز بتركيز غير مسبوق يستمد جاذبيته بالخصوص من الأهمية التي أولاها خطاب جلالة الملك بمناسبة الذكرى الـ19 لعيد العرش لهذا الورش، والتي شدد فيها على ضرورة القيام بمبادرات مستعجلة لتفعيل تعميم التعليم الأولي، وهو ما أعطى دفعة قوية لهذا الملف ضمن برامج السياسات العمومية. حيث صادق المجلس الوزاري، خلال اجتماعه المنعقد بتاريخ 20 غشت 2018، على مشروع قانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، الذي جعل من «تعميم دامج وتضامني لفائدة جميع الأطفال دون تمييز» رافعة أساسية لتحقيق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص.كما نص مشروع القانون على»إلزامية التعليم الأولي بالنسبة للدولة والأسر»، و»تخويل تمييز إيجابي لفائدة الأطفال في المناطق القروية وشبه الحضرية، فضلا عن المناطق التي تشكو من العجز والخصاص». و»تأمين الحق في ولوج التربية والتعليم والتكوين لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة أو في وضعية خاصة»، و»مكافحة الهدر المدرسي».
لكن واقع الحال ينذر بأنه قد يسلك ،كغيره من رهانات ، مسلك العودة ، إذا لم تتوفر آليات إنجاحه على أرض الواقع .حيث ان واقع التشرذم الذي يعيشه هذا القطاع بين جهات مختلفة ، يطرح سؤال الهوية واشكالات الاستمرارية والتطور.
فهناك تعليم أولي يدبر من طرف القطاع العمومي، وذلك بخلق أقسام قليلة جدا بالمدارس الابتدائية العمومية، و تعليم أولي آخر يدبر من طرف القطاع الخصوصي، حيث توجد كذلك أقسام داخل المؤسسات الابتدائية العمومية أو بالمؤسسات الخصوصية، كما أن هناك الكتاتيب شبه التقليدية و الكتاتيب القرآنية و الحالات غير المصنفة، و هي تشرف على حصة الأسد في أعداد أطفال 4-5 سنوات المستفيدين من التعليم الأولي .
فوزارة التربية الوطنية تتكفل ب (59.7%) من المستفيدين ، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تتكفل بالكتاتيب و الكتاتيب القرآنية العتيقة؛ و هي تشرف على (4%) من المستفيدين من التعليم الأولي .في حين تشرف وزارة الشباب والرياضة التي تتخصص في رياض الأطفال و الحضانات على (2%) . و وزارة التضامن الاجتماعي والاسرة، التي تتخصص أيضا في رياض الأطفال و الحضانات كذلك تشرف على(2.3%) من أعداد المستفيدين من التعليم الأولي .  دون إغفال  التعاون الدولي الذي تشرف عليه السفارات و المصالح الثقافية الأجنبية.
هذا التعدد في التخصصات بين قطاعات مختلفة ،دون ذكر الجمعيات و الأشخاص الذاتيين، يفتح الباب على مصراعيه على أسئلة كبرى اساسية : من يدبر و يضبط ويؤطر ويراقب التعليم الاولي في المغرب، وهل بهذا التشتت في المناهج والاساليب والتوجهات ، نرفع رهان تعميم التعليم الاولي ونضمن تعليما متكافئا من حيث الجودة والمردودية للجميع .
فمنذ بداية الألفية الثالثة، وهذا الموضوع في صلب انشغالات الدولة وكل المتدخلين في هذا القطاع، حيث نص الميثاق الوطني للتربية والتكوين على ضرورة تعميم التعليم الأولي على كافة الأطفال ابتداء من سنة 2004، كما أوصى بإدماجه مع التعليم الابتدائي من أجل خلق سيرورة منسجمة تسمى «التعليم الابتدائي» مدتها ثمان سنوات وتتكون من سلكين و تواصل هذا الانشغال بموضوع التعليم الأولي مع “البرنامج الاستعجالي” 2009 ـ 2012، الذي وضع نشر التعليم وتوسيع عرضه التربوي وتحديثه بهدف تعميمه الشامل سنة 2015 في صلب أولوياته ، مرتكزا في ذلك، بحسب ما تشير وثيقة البرنامج الاستعجالي، على ثلاثة محاور أساسية تحددها في النهوض بالعرض الحالي وتطوير تنمية العرض وتكوين المربين.غير أنه بالرغم مما حققته كل هذه البرامج المسطرة والمجهودات المبذولة على هذا المستوى، فإن رهان التعميم الشامل للتعليم الأولي لا يزال أحد التحديات المطروحة. ومازالت نسبة هامة تصل إلى حدود 35 في المائة من الأطفال المغاربة المتراوحة أعمارهم ما بين 4 و 5 خارج التغطية، خصوصا في الوسط القروي والمناطق الهشة ، حيث يشكل الحرمان وعدم استفادة أطفال بعض المناطق الفقيرة والنائية من هذه الخدمة عامل سلبي يحرمهم من إمكانيات تنافسية جد هامة في مسارهم التعليمي، مقارنة مع أقرانهم من الأطفال الذين سبق لهم وأن استفادوا من التعليم الأولي.
إن واقع التعليم الأولي في المغرب، يحتاج لأكثر من وضع استراتيجيات ،يحتاج لإنجاز بنيات أولا تتمثل في بناء المؤسسات والحجرات وتأثيث قاعات وفضاء الدروس المخصصة للتعليم الأولي، وأيضا إلى القدرات والكفاءات والمهارات التي يتعين أن تكون بحوزة طاقم التدريس حتى يمكنه مزاولة عمله، عكس ما هو موجود حاليا، حيث مازال هذا النوع من التعليم يعيش فترة انتقالية لا يحظى بموجبها بكفاءات متخصصة وعلى درجة عالية من الكفاءة تدمج مجموع الأبعاد التي يحتاجها الطفل في مراحله العمرية المبكرة، حتى تتمكن من مساعدته في أطوار نموه وإكسابه نوعا من التكامل في شخصيته، الأمر نفسه ينسحب على المضامين والمناهج الدراسية، حيث أن المغرب لم يرس لحد الساعة على شكل نموذجي واحد، ما زال يفتقد إلى منظور تربوي ملائم لخصوصيات الطفل، وهناك ارتباك واضح فيما يخص اختيار المضامين والأنشطة أو فيما يخص الطرق والوسائل الديداكتيكية المعتمدة، وطريقة التدريس التي تعتمد على التلقين والحفظ.
وهي اشكالات تحتاج إلى اتخاذ تدابير استعجالية وصارمة من اجل تسريع وتيرة أداء هذا النوع من التعليم،استنادا على آليات عملية «كالمدخل القانوني» في اتجاه إدخال التعديلات اللازمة على القانون المنظم للتعليم الأولي05.00 والعمل على الرفع من وتيرة الصرامة في اتجاه احترامه وتطبيقه، و»المدخل البيداغوجي»في اتجاه محاولة صياغة رؤية موحدة عن أشكال التفاعل والتعامل مع البرامج والمناهج الدراسية المستعملة، مع إيلاء كل الأهمية للتكنولوجيات الحديثة في هذا المنحى، ومع العمل نسبيا على تأهيل جزء من المؤسسات التقليدية كي تزاوج في برامجها بين ما هو تقليدي ومع الانفتاح على روح ومتطلبات العصر، وكذا محاولة إعادة تأهيل والاهتمام بورش الموارد البشرية المخصص لهذا الصنف من التعليم، وهي مناسبة للإشادة بالأدوار التي ستضطلع بها المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، من حيث الاهتمام بهذه الشريحة الهامة من المدرسين والمربين، دون إغفال الاهتمام بدور الشراكات وتنويع المتدخلين، مع احتفاظ الوزارة الوصية طبعا بدورها فيما يخص الإشراف العام على هذه المؤسسات من دون إغفال المهام الجسيمة المرتبطة بالتخطيط والتنظيم ووضع الضوابط والمعايير وكذا مباشرة عمليات التقويم والمساءلة .


الكاتب : فاطمة الطويل

  

بتاريخ : 18/10/2018