يرتبط بالأفكار، المعارف والسلوك : التغيير الشخصي بين المعيقات الذاتية والخارجية 1/3

يحلم الكثير منا بتغيير وضع ما، سلوك ما، واقع ما.. ويزداد الحلم قوة، حين تشتد الرغبة في التغيير، حين يقل أو ينعدم الرضا عن الوضع أو السلوك، أو الواقع أو النفس أو عنهم جميعا.. ونحس بقلة الرضا أو انعدامه، حين تدق نواقيس الزمن معلنة عن مضي زمن وحلول آخر، بحلول سنة جديدة أو ذكرى ميلاد أو اقتراب سن تقاعد…
والعام الجديد يمضي… نعم … أقصد العام الجديد الذي مضى.. ألم تنظر إليك وتسأل نفسك: كم مرة تجددت يا أنت؟ يجيب بعض طالبي الاستشارة والعام الجديد يمضي.. أنظر إلى نفسي وأتساءل: «هل كنت كما أردت؟ هل كنت كما تمنيت» ؟ هل كنتم كما تمنيتم؟
بعض الفرح يتسرب إلينا، وبعض الندم كذلك يتسرب إلينا.. ربما خذلنا بعضنا أحيانا.. فرحنا سوية أحيانا.. وأحيانا أخرى تبادلنا الحكايات… وتقاسمنا الحزن رغم كل الخذلان و العتاب و المسافات..
والعام الجديد يمضي.. نتذكر عند حلوله، أننا تمنينا لبعضنا عاما جديدا.. نتجدد فيه وندع كل السلبيات أو على اﻷقل أغلبها.
تمنينا أن تدوم الحياة ونحن نعلم أنها لن تدوم.
تمنينا أن تتلاشى اﻷحزان ونحن نعلم أنها جزء منا.
تمنينا أن يدوم الفرح ونحن لا نعلم أننا من يصنعه.. وأنها نظرة للوجود، نحن من يحدد اتجاهها وحجمها.
تمنينا وتمنينا.. وهاهو العام الجديد يمضي وسيأتي عام جديد آخر.. ونحن لازلنا نتمنى، لازلنا نخذل بعضنا..لا زلنا نقوم بكل تلك الأشياء التي تمنينا أن نغيرها أو تمنينا أن تتغير من تلقاء نفسها.. لا زلنا نغير الصور وواجهات الأحلام ولا نغير من أنفسنا..
التغيير قبل أن يطال أي شيء خارجي عنا، يجب أن يكون أولا على المستوى الشخصي، لكي يغير الفرد وضعا ما، يجب أن يغير أولا طريقة ومنهج تعامله مع ذلك الوضع، أي سلوكه، ولكي يتغير هذا الأخير يجب أن تتغير الأفكار والمعارف التي تنتجه.
نتحدث هنا عن المعيقات الذاتية التي تحول دون حدوث التغيير وتبقى حبيسة الأحلام، وهي أحيانا تكون على مستوى الشخصية ونوعيتها، أو على مستوى العزم على التغيير ثم مستوى الانخراط والالتزام بقرار وتفعيل التغيير الذي يستلزم فترة انتقالية من وضع حالي «أ» إلى وضع منشود «ب»، وهي فترة تعرف بشيء من عدم التوازن بسبب كسر الرتابة التي تعود عليها الفرد. بعد ذلك، تأتي المعيقات الخارجية، والتي تتمثل في مدى توافق نوع ومستوى التغيير مع المحيط الخارجي، لأن الرغبة والعمل على التغيير، يعملان على تشكيل»تهديد» للمحيط، تهديد لما تعوّد عليه.
إن كان التغيير سلبيا فالرفض هو رد فعل طبيعي، لكن أحيانا يكون الرفض حتى في حالة التغيير الإيجابي، لأنه وبكل بساطة سيؤثر على السير العام لظروف العيش اليومية للمحيطين به وسيتطلب ذلك منهم مجهودا وطاقة للتكيف معه. فالتغيير سيؤثر أيضا على مستوى العلاقة معهم بحيث أنه سيجعل صاحبه بعيدا جغرافيا أو بعيدا في درجة تواصله حتى لو كان قريبا بحكم انشغاله، أو بعيدا على مستوى التعلمات والأفكار التي اكتسبها أو سيكتسبها جراء التغيير، وهذه الفرضية الأخيرة هي من أهم العقبات التي يمكن أن يجدها طالب التغيير في طريقه، لأن هؤلاء الذين يعارضون التغيير عند الآخر، يعارضونه لأنه سيتقدم درجة في سلم كانوا فيه على مستوى واحد. وفي عملية تقييم ذاتية، تقدم الآخر بفضل التغيير الذي قام به، سيشعرهم بمدى ضعفهم، لذلك فأسهل شيء لمقاومة هذا الشعور، هو إحباط عملية التغيير عند الآخر بعدم تشجيعه، بالتشكيك في قدراته، بزرع القلق في نفسيته، بإعطائه أمثلة فاشلة تحد من عزيمته، باختلاق وضعيات صراع يظهر فيها طالب التغيير على أنه مسببها، يجعله ذلك يسعى إلى إرضائهم والاعتذار عن خطأ لم يقم به، رغبة منهم في تحسيسه بأنه مقصر اتجاه العلاقة التي تجمعهم، وأن التغيير مهما كان إيجابيا فهو سلبي لأنه يصنع بعدا في العلاقات، مما يشكل طاقة سلبية من شأنها أن تثني عزم طالب التغيير أو تعرقل وصوله لهدفه.
إن ضمان أكبر قدر من فرص النجاح لمشروع التغيير، يتطلب من الساعي إليه، أن يتعرف ويحدد ويستعد لكل العراقيل التي من شأنها أن تقف في وجه التغيير الذي يطمح إليه، هو مطالب بأن يتعرف على نفسه أولا، على طموحاته ومدى توافقها مع قدراته، حتى ما إذا كانت غير متوفرة بما يكفي، يعمل على تطويرها وتنميتها قبل الشروع في التغيير، لأن الفشل أحيانا لا يأتي من صعوبة وحجم ما نسعى إليه بل من عدم توفير الإمكانيات الذاتية وتطويرها بشكل يتناسب مع ما نطمح إليه وحجم التغيير.

* أخصائية نفسية


الكاتب : حنان الجيراري

  

بتاريخ : 18/01/2018

أخبار مرتبطة

أكد على أن تعامل الحكومة مع القطاع ومهنييه يساهم في اتساع دائرة الغموض والقلق   أكد ائتلاف يضم عشر جمعيات

  أكد الدكتور مولاي سعيد عفيف، رئيس أنفوفاك المغرب، أن عدم ظهور بؤر وبائية تتعلق بمرض الحصبة في تراب جهة

لماذا لا يشمل حتى تلاميذ التعليم الخصوصي   في إطار مواصلة تنزيلها لورش التعميم التدريجي لتدريس اللغة الأمازيعية بسلك التعليم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *