الكلام بدون علم … ما العمل ؟..

مصطفى المتوكل الساحلي

يقول أهل اللغة  : (الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، وأقسامه ثلاثة) عن الأجرومية
إن ما يتفوه به الإنسان يدل على جزء من حقيقة ما يفكر فيه  وما يختلج في نفسه،  وقد يكشف عن بعض مما يخفيه،وقد ينطق بنقيض ما يبطن وهذا هو المنافق ..
والكلام  عند أهل اللغة  يـضم  المفيد وغير المفيد ، أما عند  النحويين فلا يدخلون  فيه غير المفيد.
أما علم الكلام   ((…فيعرِّفه أبو نصر الفارابي بأنه : « صناعة الكلام ملكة يقتدر بها الإنسان على نصرة الآراء و الأفعال المحدودة التي صرّح بها واضع الملة ، و تزييف ما خالفها بالأقاويل .»
ومن هنا وجب التميز بين  علم الكلام ، و الكلام بدون علم ، أي الذي لايفيد ولا يقدم ولا يطور المعرفة والتواصل ، ولا يشحذ الذاكرة ولا ينمي العقل  ، ولا يهذب الأخلاق … ، وهو بتعبير آخر  «الرويبضة»الذي شرحه الحديث التالي ((..إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ ‘’ ، قِيلَ : وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ يا رسول الله ؟ قَالَ : ‘’ السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ …))
فهذا حالنا المزري الذي يتخبط فيه  المجتمع  والذي يلحق الضرر بالناس كافة بشكل مباشر أو غير مباشر ، ذلك أن الشخص السليم إن دخل فضاء فيه مرضى يـتعظ ويتعاطف ويؤازر،  وإن حضر مأتما يحزن لحزن عائلته وأصدقائه ومعارفه ، وإن دخل فضاء فيه فرح وحبور ابتهج ونشطت جوارحه وانبسطت أساريره مع الناس،كذلك  يفترض أن الشعب و المؤسسات  يتأثرون بما يمور ويحدث في المجتمع  إيجابا وسلبا، ولن يسلموا من  شطحات وشيطنات   الرويبضات في الدين والسياسة والثقافة والذين لايتقنون سوى النميمة والغيبة  والتفنن في الخبث والدسائس وإثارة الفتن .
إن كل الذين يتكلمون عن جهل وبتطفل في أمور العامة بغض النظر عن مواقعهم ومسؤولياتهم، لا يصدر عنهم إلا ما  يفسد ويقض مضجع الناس ، فتصبح الألسن أمارة بالسوء  ، وتتحول  الآذان إلى جهاز غير مميز يلتقط القبح والجمال ، والكذب والصدق ويخلط بينهما  ..
فإذا كان الكلام و معناه  لايحتملان أكثر من وجه، لن يحتاج المستمع إلى معرفة حقيقة قصد المتكلم ، وسيكون فهم الناس له واحدا  أيضا ، وهذا لايتم إلا إذا كان هناك وضوح تام كوضوح الحقائق العلمية والرياضية  .. وكوضوح العدل والظلم ومعرفة الحرام البين الذي تجمع البشرية على رفضه مثل الاعتداء على حقوق الناس ،فإن أراد المتكلم فتح أبواب الاحتمالات  فليضعها  وليصفها وليوضحها  للمتلقي حتى يكون الجميع على بينة ، ولا  يستغفل أي أحد ..
ولنقل مثلا  إذا جمعنا  الأحاديث الصحيحة المتعلقة بموضوع معين، ووجدنا إخلافا بينها  في الحكم والإجراء المتبع والآثار المترتبة، فمعنى ذلك أن الأمر مفتوح على الحالات كلها، والتي تصبح جائزة ولاحرج في اعتماد أي اختيار ، فأينما كانت المصلحة  فثم شرع الله  …
ومن هنا نقول لكل أهل الحل والعقد بالحكم والمؤسسات وغيرهما ، لم يعد الزمن ولا المجال يسمح بالحديث في أمور الناس وشؤونهم ، حاضرهم ومستقبلهم  بدون علم ولا دراية ولا رؤية علمية وأجوبة منطقية وواقعية وجاهزة للتنفيذ، يتحقق معها في الواقع  أكثر من المتوقع والمنتظر  ، فارتجال الكلام وتنميقه وشحنه بالوعود والبرامج  غير القابلة للتنفيذ والتنزيل،  يخلق واقعا معقدا ستكون نتائجه محبطة ، وسيصعب توقع مآلاته، ذلك أن تشكل الأجوبة ، وبناء المعرفة الجماعية ، وتقصي الأمور وتوثيقها علميا، سيجعلنا نقف على أن الغالبية من الناس لم تعد لديهم  رغبة  في الاستماع لكلام المسؤولين والمؤسسات، لأنهم يتهمونهم بعدم الصدقية وعدم الوضوح وعدم الوفاء ، وإذا أضفنا إلى هذا  التعطيل الممنهج  لمهام ودور النخب سيزداد الواقع تأزما ..
إنه إذا لم يكن الكلام الذي يكتب ببرامجه ومخططاته التي تسطر  واضحا  فسيوصف  باللاصدقية ، وقد يصبح كذبا أو تضليلا لأنه ليس كما وصف ولاكما بشر به وينتظره الناس  …
إن التطور والانتقال من حال إلى حال، يجب أن تترتب عليه آثار إيجابية معنوية ومعرفية وتنظيمية ومادية  تهم كل مناحي الحياة ….
فإذا كنا أمام واقع فاسد ، أو معضلة اقتصادية أو اجتماعية  ، فالمفروض من الجميع  ليس تخريب الواقع ومحوه وإلغاؤه ، بل سلب ماهو سلبي منه،  مع المحافظة على ما هو إيجابي وتثمينه، لأنه هو الذي يعطي للواقع الجديد مصداقيته وأصالته، ويضمن استمرارية الجمال والخير المتدرج في النمو والتطور نحو الأفضل، و القطع مع  الفساد وأسباب  الإفساد كانت بالكلام أو بالأفعال أو بالقرارات والسياسات  ..
إن وجود الأضداد في مختلف مجالات الفعل البشري، لايجب أن يوظف بإعمال أسلوب الإقصاء والتهميش ،وممارسة سياسات الاستئصال بنية التحكم والتسلط ، فالصراع وتدافع الأضداد والتدبير العلمي والعقلاني للتناقضات،هو الذي يطور  الأفكار ، ويقوي الأفهام  ، ويقوم السلوك ، ويحفز  الرصانة ، ويشجع على العمل والإبداع والعطاء ، و ينشئ الحكمة القابلة للتجدد والتطور وفق تغير الواقع ومسايرة حاجات المجتمع ..
إن التنوع الهائل و الثنائيات و الأضداد المتواجدة في الطبيعة، تحقق وتضمن التكامل واستمرار وتجدد التنوع والأنواع ،لأنها تخضع لقوانين الطبيعة والوجود ، وكل إخلال بذلك التوازن سيتسبب في إلحاق الأضرار بالطبيعة والكائنات المختلفة والإنسان ، لهذا إن لم نستطع ونحن المصنفون بأننا العاقلون بهذه الأرض أن ننظم اختلافاتنا ونستفيد من تناقضاتنا ، ونبني واقعنا وحياتنا التي هي ملك وحق لنا جميعا ، فلاشك أننا  سنخرج من دائرة العاقلين لنصبح من العــالقين في مشاكل وأزمات ومتاهات تسبب فيها اللسان واليد والسياسات،وسنصبح من الذين لايعلمون ما يقولون ،أي يهرفون بما لايعرفون   ..

الكاتب : مصطفى المتوكل الساحلي - بتاريخ : 12/10/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *