بالصدى … ألم كله ولادة

وحيد مبارك wahid.abouamine@gmail.com

أعلنت وزارة الصحة يوم الإثنين 25 يونيو 2018، بكيفية متأخرة، عن كونها أعطت انطلاقة الحملة الوطنية لتعزيز صحة الأم والمولود تحت شعار «العناية بالأم والمولود… إنقاذ للحياة»، وذلك بعد أسبوع فعلي من الانطلاقة المزعومة، إذ قيل أن الحملة التي تم الشروع فيها يوم الاثنين 18 يونيو وستمتد إلى غاية الأربعاء 18 يوليوز المقبل.

حملة شكّلت مناسبة، سعت من خلالها وزارة الصحة إلى الدفاع عن حصيلتها في مجال تحسين صحة الأم والمولود، وأبرزت في هذا الصدد أنه تم إحراز تقدم كبير في تقليص نسب وفيات الأمهات والمواليد الجدد، مذكرة بنتائج المسح الوطني الأخير لسنة 2017-2018 الذي أجرته، والذي أفضى، وفقا لبلاغ لها في هذا الصدد، إلى «انخفاض هام في نسب وفيات الأمهات بلغ 72.6 وفاة لكل 100.000 ولادة حية، وكذا تراجع في نسب وفيات المواليد الجدد إذ نزحت النسبة من 21.7 إلى 13.56 وفاة وليدية لكل 1000 ولادة حية».
اللافت للانتباه في هذه الحملة، التي لم يشر بلاغها لا من قريب ولا من بعيد، إلى «التقصير» الذي يؤدي إلى استمرار حالات وفيات أمهات أثناء الوضع، ونفس الأمر بالنسبة للمواليد الجدد، سواء على مستوى الوفيات أو حتى المضاعفات الصحية التي ترخي بتبعاتها على القادم من حياتهم، أنها حدّدت ما تم وصفه بأسباب وعوامل رئيسية مسببة لوفيات الأمهات والمواليد الجدد، وأكّدت على أنه لتجاوزها يجب احترام جدول زيارات تتبع الحمل، والوقاية من المضاعفات المرتبطة به، كما هو الحال بالنسبة لارتفاع ضغط الدم، السكري أو النزيف…، وحثت على الولادة بالمرافق الصحية، كما دعت الأسر إلى ضرورة تجنب بعض السلوكات الخطيرة كالممارسات والوصفات التقليدية المضرة والولادة بالمنازل.
لقد أغفلت وزارة الصحة أو تناست أو لنقل أنها تجاهلت، أنها تتحدث إلى مواطنات ومواطنين لا يقطنون جميعهم بالمدن الكبرى والحواضر، والولوج إلى المرافق الصحية ليس متاحا أمام الجميع بكيفية عادلة ومتكافئة، فهناك فئة ليست بالهيّنة تعيش في أعالي الجبال وبعدد من المداشر حيث الطرق مقطوعة، والمسالك وعرة، والبنيات التحتية مفتقدة، ولنقل مريض أو مريضة يتعين قطع عشرات الكيلومترات على الدواب والأقدام، وكثير هم الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى أقرب مستوصف صحي يحمل اسم القرب والحال أنه بعيد كل البعد عن هؤلاء المواطنين، إن وُجد فيه من يسعف والدواء اللازم، مع التخصيص في هذا الباب وليس باعتماد التعميم، مادام هناك مهنيون يقومون بواجبهم بنكران ذات وعلى أكمل وجه؟
وبعيدا عن المداشر والمناطق النائية في بلدنا الحبيب، تجاهلت وزارة الصحة أشرطة فيديو تم توثيقها في المدن الكبرى الحواضر، لولادات بأروقة المستشفيات وأمام أبواب مداخلها، ليس لأن المخاض ألّم بشكل سريع ومفاجئ بالحامل فحسب، بل لأنه في حالات عديدة، لم تجد الحامل من يستقبلها وسريرا يتلقّفها، ومن يتكفّل بحالتها، ومن يعمل على توليدها، إما لعجز المولّدة لكون الحالة مستعصية وتتطلب قيام الطبيب المختص بذلك، وهو غير متواجد، أو لسوء تقدير، بل وحتى بسبب تهاون دفع إلى إحالة الحامل على مستشفيات أخرى، والأمثلة شاهدة على ذلك بمستشفى الحسني بالدارالبيضاء، الذي تسببت فيه إحالة سيدتين في وضعية حمل في وقت سابق على المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد، وأخرى لإجراء فحص بالصدى خارج أسوار المستشفى في مفارقتهما الحياة، دون إغفال شريط فيديو «العار» الذي يوثق لولادة سيدة في رواق مستشفى مولاي عبد الله بسلا، في وضعية لا إنسانية تدمي القلوب وليس فقط الأعين، الذي ليس هو الوحيد بل هناك العشرات من الأشرطة المماثلة التي تذبح كرامة هؤلاء النسوة!
إن التقليص من وفيات الأمهات والمواليد، وتمكين الحوامل من الولادة في فضاء صحي مراقب طبيا وفي وسط يحافظ على كرامتهن بشكل عام، لن يتأتى تحقيقه إلا بتضافر الجهود والعمل الجدي على توفير بنيات تحتية صحية، والرفع من أعداد الموارد البشرية، أطباء وممرضين، أو على الأقل إذا تعسّر الأمر في هذا الصدد، بسبب ميزانيات وإجراءات قد تفرمل تحقيق أي تطور إيجابي منشود، العمل على تطوير الشراكة بين القطاعين العام والخاص، كما أشارت إلى ذلك الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة مؤخرا، بما يضمن من تحقيق نجاعة فعلية، حتى ولو كانت نسبية، من أجل تدارك الخصاص وتفادي صور ومشاهد العار، التي تعتبر بمثابة خناجر توغل في جسم المنظومة الصحية العليل، الذي لن تداويه مثل تلك النسب الرسمية العابرة، التي يتم الإعلان عنها بين الفينة والأخرى، والتي بالرغم من كونها تترجم مجهودات يتم القيام بها، إلا أنها لن تتمكن من حجب قتامة وفيات وحالات الولادة في ظروف كلها امتهان للكرامة الإنسانية.

الكاتب : وحيد مبارك wahid.abouamine@gmail.com - بتاريخ : 28/06/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *