بالمباشر : بين الاثنين والثلاثاء..!

عزيز بلبودالي

هو هكذا مشهدنا الرياضي، بصوره المتنوعة والمختلفة، بتناقضاته وتقاطعاته، بأفراحه وأتراحه، بأسبابه التي تجعل المرء يفتخر ويتباهي، وبأسبابه التي تفسح الطريق للسكري وللضغط للارتفاع بدون توقف.

لم يكد يوم الاثنين ينتهي ويرخي بستائره حتى صدمنا بذلك المشهد الهمجي ولاعبو فريقي الراك واتحاد طنجة في طريقهم لمستودعات الملابس بعد خوضهم لمباراة فاز فيها الضيوف وانهزم فيها أصحاب الأرض وانتهت بسلام وبروح رياضية بين اللاعبين إلا من أحد مسيري الفريق البيضاوي الذي أصر إلا أن يذكرنا بعهد « البلطجية» وأسلوب العنف و «الزرواطة» وهو ينهال على زميل صحفي ب» التصرفيق» كعقاب له على أدائه لواجبه المهني وتغطية المباراة وما يحيط بها.
المشهد بكل ما حمله من عنف، ومن محاولة فرض الرقابة على أداء زميل صحفي، ومن همجية وعنترية لا تليق بسلوك مسير من المفروض أن يكون أول من يدافع ويسهر على حماية الصحفي ويوفر له شروطا ملائمة للعمل، يفرض الإدانة ويسائل فريق الراك والجامعة والجمعيات حول هذا السلوك غير المقبول بتاتا.
المؤسف حقا، أن المسير إياه، ينتمي لفريق عريق ظل دائما يقيس المسافة بينه وبين الإعلام بخطوط تقدير واحترام، والمؤسف حقا أن يتعرض صحفي للاعتداء وهو يزاول مهامه متحملا غياب شروط العمل المناسبة أصلا في ملعب كالذي أجريت فيه المباراة، وأن يتعرض للعنف من طرف من مِن المفروض فيه أن يكون الساهر على مواجهة كل أسباب العنف… هو مشهد الخزي والعار ما قدمه في الحقيقة ملعب مباراة الراك واتحاد طنجة !
لحسن الحظ أن مشهدنا الرياضي ليس دائما هكذا، فبقدر وجود كائنات تعيش فيه، مقززة تدفع المرء للنفور، بقدر ما يمنحنا وجوها محترمة تجعلنا نثق في استمرار وجود ذلك الفكر الإنساني الراقي الذي يترجم فعلا القيم النبيلة للرياضة.
وكم سعدت كثيرا، صباح أول أمس الثلاثاء، الموالي لليوم الذي عاينا فيه ذلك المشهد المخزي لبطله مسير فريق الراك، سعدت وأنا أحظى بحضور لقاء جمع مصطفى الحداوي، النجم الكبير والسابق للكرة المغربية، وعبد الحميد جماهري، مدير تحرير جريدتنا، في مكتب هذا الأخير بمقر العمل.
جاء الحداوي وهو يحمل معه صور الماضي الكروي الجميل، الأداء الفني والمهاري الذي قدمه رفقة زملائه في فريقنا الوطني خلال مونديال 1986 بالمكسيك، وأيضا في سنة 1994 بمونديال المريكان، وبالمناسبة، وإن لم تخنا الذاكرة والمعرفة، يظل الحداوي اللاعب المغربي الوحيد الذي شارك لاعبا رسميا في مونديالين.
كان الاثنان، جماهري والحداوي، يناقشان، يتبادلان الاستشارة والتفكير في كيفية دعم ومؤازرة أسرة «المرحوم العربي الزاولي» .. كنت مشدوها أمام مشهد يحمل روحا جميلة بعنوان التكافل والتضامن والاعتراف بقيمة رجل خدم الرياضة الوطنية…
التقى الاثنان في صورة تعبر عن نبل الخلق والسلوك والحس الوطني الرفيع، وزاد إعجابي بالحداوي وهو يتحدث عن العربي الزاولي وما قدمه في التاريخ الرياضي، ليس لفريق الاتحاد البيضاوي والحي المحمدي فقط وإنما للتاريخ الرياضي الوطني، كما زاد إعجابي بهذا اللاعب السابق الذي فضل الانخراط بعد اعتزاله اللعب في العمل الجمعوي خدمة للرياضيين الذين يحتاجون دفء التضامن والتكافل بعد أن افتقدوه مع غياب سياسات عمومية تضمن لمن أجبر على اعتزال الرياضة العيش الكريم..
الاثنان، كنت أستمع إليهما وقد أعادا لي اطمئنانا على صورة أبناء وطن مازال فيه «الخير» ومازال فيه من يعمل في سبيل الآخرين وليس من يسعى لخدش صورة بلد الرياضة فيه مرآة لمدى حضارته من تخلفه.
سعدت حقا، مثل سعادتي التي شعرت بها وعدد من الفنانين والإعلاميين والمثقفين يشاركون أحد أيام الشهر الماضي، في وقفة تضامنية احتجاجية، أمام ملعب الطاس القديم (الحفرة)، ضد تشريد عائلة المرحوم العربي الزاولي عندما حاصر أرملة الفقيد وأولاده قرار بالإفراغ من مسكن ظل يأويهم قرابة ستين سنة.
بين يوم الاثنين ويوم الثلاثاء، غضبت وسعدت، مشهد مخزٍ وفضيحة فيها ترهيب وعنف لزميل صحفي، ومشهد فيه كل القيم النبيلة وكل الشعور بالتضامن والتكافل.. وحب فعل الخير وخدمة الآخر.

الكاتب : عزيز بلبودالي - بتاريخ : 22/02/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *