سقوط الرئيس الذي كان

بديعة الراضي

توقفت وأنا أتابع بإمعان تداعيات السقوط الذي اختاره بنكيران من منبر شبيبة حزبه، عند الخروج الذي يسطرعليه عبد العالي حامي الدين، كصوت سيده بامتياز كبير، والذي يهرب فيه من موقع المتابعة في ملف حساس وكبير، إلى موقع الأستاذية في إعطاء الدروس للأحزاب السياسية الوطنية، وهو الأسلوب الذي يبدو أن على حامي الدين استبداله، لأن زمن تأثيره في الربيع الذي كان قد بدأ يشد الرحال نحو مزبلة التاريخ، في محيط إقليمي وجهوي ودولي، يفرض اليوم أسئلة مغايرة في النهوض بأوطاننا الجريحة بفعل الزمن السيء، وهو الزمن الذي تاجر في كل شيء من أجل امتلاك السلطة والمال وإضافتها إلى الأمن الروحي، من أجل الركوب بالفعل والقوة على ظهر وطن والذهاب به إلى مصير مجهول.
كما توقفت وأنا أعيد قراءة الزوبعة، التي يريد بنكيران السقوط بمظلتها على شأن يختار الوطن اليوم تصحيح مساره، للقطع مع مفاهيم الأخونة التي شقت الطريق إلى السياسة في الزمن الربيعي المنبوذ، عند مقارنة بين خروج مرسي مصر، وهو يودع مقعدا رئاسيا احتله بالضحك على أحلام شعب تواق إلى تحقيق حلمه في الكرامة والعدالة والعيش الكريم، وبين خروج ساكن فيلا حي الليمون، التي يطل من خلالها على الجماهير الفقيرة، لتحريضها على ثورة ضد «البانضية» الذين ضم «الرئيس الذي كان» أغلبيتهم إلى صفوف الفقراء بإغلاق مقاولاتهم، ودفعهم لتشريد المستخدمين، والعمل بالقرارات العوجاء على اختفاء الطبقة المتوسطة باعتبارها القلب النابض للاقتصاد المغربي، ناهيك عن الزيادات الصاروخية التي عمل الرئيس الساقط من منبر شبيبته على رسم معالمها الكبرى في الخمس سنوات الماضية، وتجميد القوانين التنظيمية لدستور المملكة الجريء والثوري، لإفراغ المؤسسات من دورها الفعلي نحو أدوار ضبابية، يقوم بها من عمل على تثبيتهم في مقاعد القرار، بعدما استطاع أن يمرر قانون المناصب العليا، دون احتساب من ثبتوا بالفعل في مؤسسات الجهات والجماعات المنتخبة، لتكتمل الصورة بوجود جيش يملك السلطة والمال ويدبر الأمور باستغلال الأمن الروحي للمغاربة. لهذا أذكرك، أيها الخارج من كهف الحقيقة المرة، كما أذكر تلميذك حامي الدين – الذي تختار اليوم أن تستل سيفك لإراقة دم من يمس شعرة منه، والحال أن الأمر يتعلق بتحقيق، من حق المطالبين به النضال من أجله لمعرفة الحقيقة كل الحقيقة- أني خاطبتك عندما كنت في منبر الرئيس، وعندما كنت منشغلا، حد الهوس، بكيفية تكميم أفواه معارضيك في مختلف الجبهات، باحثا عن السبل الكفيلة لذلك، ومستعينا بإدارتك السرية والعلنية للتسريع من هذه الوتيرة، التي أفقدتك الكثير من الصفات التي كان من المفروض أن تتحلى بها من موقع احتلالك لكرسي دافع عنه المغاربة عشية تتويج حلمهم بدستور اعتقدوا أنه الممر الآمن لتحقيق ثورة الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، والمحقق الفعلي للانتقال الديمقراطي المبني على مأسسة الحياة السياسية بالقوانين والتشريعات. كما خاطبتك وأنا أعرف الانشغال الذي يؤرقك، والذي دفعك إلى ارتكاب حماقات ما كنا نرضاها لرئيس حكومة بلد كالمغرب، تلك التي جعلتك تحرك، في لحظة حاسمة من تاريخنا الإقليمي والجهوي والدولي، جناحك الإصلاحي، بدعويته وتكفيريته، لتبعد الأنظار عن فشلك في تدبير الشأن العام، وهو فشل جعل المغاربة يعيدون الحساب في درجة الصفر للوقوف عند كل هذا الوهم الذي يعد بالجنة في الدنيا بعدما وظف تجارك في هذا الوهم حيلهم للركوب على علاقة المغاربة الروحية بينهم وبين لله . كما خاطبتك وأنا أعرف أنك تركب «الهبال» لأنك فاشل في مواجهة التحديات الطبيعية التي اعترضت سيرك المتعثر جدا في التدبير العمومي، والذي قابله التراجع الكبير في الخطوات إلى الوراء، وكأنك تريد أن تجعل من احتساب الخطوات السريعة نحو الماضي ضربا لكل المكتسبات التي أحرزناها بالتضحيات الجسام لمغرب متوجه للمستقبل في بناء الصرح الديمقراطي الحداثي. لقد فعلت مثل مرسي في الزمن السيء، وازددت تشبثا بفروسيتك المحزمة «بالبندقية المحشوة بهرائك»، لتوظف حماقاتك- تلك التي نتفهم جيدا أسبابها الحقيقية، ونعي حجم الانتكاسات التي تلقاها مرشدك في عمق دياره الإخوانية- لتتوجه اليوم إلى ضرب المؤسسات، وتسوق لذلك من موقع الضحية الذي أزيل من كرسي لأنه متشبث بمداويخ الوطن، والحال أنك أيها الساقط على بقايا الوهم من منبر شبيبتك، تريد أن تكرس الفهم العدمي والشعبوي في أذهان الأبرياء الذين مازالوا يعتقدون أنك قادر على عودة نحو منبر ولزمن بطريق مجهول. لهذا أقول للذي اخترت أن تعلن الحرب من أجل الوقوف ضد محاكمته، ولكافة مداويخك، إن المغرب اليوم يسير نحو مأسسة الحياة السياسية، وإن خروجك من موقعك» كرئيس كان» يقتضي محاكمتك، بالقوانين التي دافعنا عن تسطيرها لبناء دولة الحق والقانون، بالمسؤولية والمحاسبة، التي تريد اليوم أن تستل سيفا من جلبابك لضرب كل من خولت له نفسه تطبيقها، وإن أذكرك بذلك، فأنا أدعو صراحة إلى تحريك المساطر لمحاكمتك، في الزمن الذي ندافع فيه عن مفهوم المسؤولية والمحاسبة، ليكون الرد مفعلا بالفعل لدور المأسسة.

الكاتب : بديعة الراضي - بتاريخ : 15/02/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *