عام «البون»

بديعة الراضي

اسمح لي وزير الداخلية أن أقول لك إن جوابك أول أمس، بمجلس المستشارين عن الفريق الاشتراكي، في السؤال الذي تقدم به رئيس الفريق محمد علمي، حول فاجعة الصويرة، لم يكن في مستوى تطلعاتنا، وأنت تقر علانية، أن الحكومة لا تفكر في منع أنشطة الإحسان العمومي، وتوزيع المساعدات،وتشدد في جوابك،على أن الأمر يتعلق بمنظومة التضامن والتكافل، وأن الأمر موشوم على جبين المجتمع المغربي منذ القدم.
لا أريد الوزير المحترم، أن أقف عند ما أضفت إلى خروجك الغريب، من عبارات التأطير القانوني لأنشطة الإحسان في بلادنا، من موقعك في وزارة تملك إدارة متوزعة على التراب الوطني، كيف أصبح الإحسان مذلة ، وقهرا، واستعمالا بالفعل والقوة، فعل الزمن وقوة المال، ذلك الذي تعرف جيدا مصادره، كما تعرف ممراته، بل منطلقاته،وأين يحط الرحال، في الجيوب، بل في الخزائن الحديدية، التي تغطيها سجادة الصلاة -مع الأسف- والتي استعملت سبحتها لحساب حول ممرات البورصات إلى فضاءات الظلام الفعلي، ذلك الذي تغتصب فيه قضية مشروع بكامله.
اسمح لي أن أقول لك إن جوابك المرتبك في الدفاع عن تكريس منظومة الإحسان، كان قاسيا جدا، في دقة المرحلة، التي تقر فيها أعلى سلطة في بلادنا بالتوجه التنموي الجديد.
واسمح لي أن أذكرك بخطاب الملك محمد السادس، والذي قال فيه:» إن النموذج التنموي الوطني أصبح اليوم، غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية.
وفي هذا الصدد،ندعو الحكومة والبرلمان، ومختلف المؤسسات والهيئات المعنية، كل في مجال اختصاصه، لإعادة النظر في نموذجنا التنموي، لمواكبة التطورات التي تعرفها البلاد.إننا نتطلع لبلورة رؤية مندمجة لهذا النموذج، كفيلة بإعطائه نفسا جديدا، وتجاوز العراقيل التي تعيق تطوره، ومعالجة نقط الضعف والاختلالات، التي أبانت عنها التجربة.».
ولهذا، لم تدع‘ أعلى سلطة في بلادنا إلى تكريس هذه الأنماط الإحسانية الآتية من «عام البون»، تلك التي تريد اليوم، دعوة نواب الأمة لوضع مشاريع قوانين لتأطيرها، وتعلنها صراحة، أمام الرأي العام في جلسة منقولة على الهواء.
وصمة عار في جبيننا ، أن نزف للمغاربة اليوم ،خبر تشبثنا بلغة الفقيه الذي اغتصب نساء الدوار، عندما ذهب أزواجهن لمواجهة المستعمر في ثكنة المدينة،بل وجعلنا من الفقيه شريكا لحلولنا وقضايانا، حتى اقتنعنا أن «التميمة» ستحل مشكل الصحراء المغربية، وأن حجابا في وجه أعدائنا سيحمي حدودنا من إدخال «القرقوبي» إلى أبنائنا الذين رفعوا السكين في وجوه آبائهم وأساتذتهم.

أعتذر إن قلت لك إن جوابك أمام مجلس المستشارين، سبح ضد تيارنا في بناء المغرب، الذي ينبغي أن يكون،يتمتع فيه المغاربة بالعدالة الاجتماعية والكرامة والحقوق، وهم المغاربة الذين قال عنهم جلالته:» المغاربة اليوم، يريدون لأبنائهم تعليما جيدا، لا يقتصر على الكتابة والقراءة فقط، وإنما يضمن لهم الانخراط في عالم المعرفة والتواصل ، والولوج والاندماج في سوق الشغل ، ويساهم في الارتقاء الفردي والجماعي، بدل تخريج فئات عريضة من المعطلين،وهم يحتاجون أيضا إلى قضاء منصف وفعال، وإلى إدارة ناجعة، تكون في خدمتهم، وخدمة الصالح العام، وتحفز على الاستثمار، وتدفع بالتنمية، بعيدا عن كل أشكال الزبونية والرشوة والفساد.»
أليس من المحسوبية أن نصمت على إجرام كبير، يتحمل فيه منسق السلطات في الإقليم المسؤولية الأولى؟ أليس من الزبونية أن نترك صاحب الجرم الكبير موزع الفتاوى المدسوسة في الرغيف يطل علينا من مواقع تواصلية يعطي الدروس للحكومة والشعب، وكأن هناك تبادلا للأدوار بين الفقيه ورجل السلطة الذي أدى القسم لحماية التراب من أي منزلق يهدد بلادنا؟
أدعوك للتراجع على ما أقدمت عليه أول أمس بقبة البرلمان، وأن تأتي مرة أخرى متأبطا خطاب الملك الشاب في دورة أكتوبر بافتتاح الدورة التشريعية الحالية، وتقول للمغاربة في إعادة نص الخطاب:
إذا كان المغرب قد حقق تقدما ملموسا، يشهد به العالم، إلا أن النموذج التنموي الوطني أصبح اليوم، غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية ، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية.
وفي هذا الصدد، ندعو الحكومة والبرلمان، ومختلف المؤسسات والهيئات المعنية، كل في مجال اختصاصه ، لإعادة النظر في نموذجنا التنموي، لمواكبة التطورات التي تعرفها البلاد.
إننا نتطلع لبلورة رؤية مندمجة لهذا النموذج، كفيلة بإعطائه نفسا جديدا، وتجاوز العراقيل التي تعيق تطوره، ومعالجة نقط الضعف والاختلالات، التي أبانت عنها التجربة، وسيرا على المقاربة التشاركية، التي نعتمدها في القضايا الكبرى، كمراجعة الدستور، والجهوية الموسعة…»

الكاتب : بديعة الراضي - بتاريخ : 23/11/2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *