لماذا تراهن فرنسا على روسيا في سياستها الخارجية الجديدة؟

يوسف لهلالي

اتخذت فرنسا العديد من الخطوات الديبلوماسية في اتجاه روسيا الفدرالية من أجل إعادة إدماجها في البيت الأوروبي، وذلك بعد سلسلة العقوبات التي تعرضت لها موسكو بعد ضمها لإقليم القرم في ربيع 2014. وأهم مبادرة تمت هذا الصيف بفرنسا هي استقبال الرئيس ايمانييل ماكرون لنظيره الروسي فلادمير بوتين في الإقامة الصيفية بالجنوب ببريكونسون في 19 من غشت الماضي، كما دعا الر ئيس الفرنسي في قمة السبع ببياريتس أيضا إلى ضرورة عودة روسيا إلى هذه المجموعة، بالإضافة إلى خطاب الرئيس الفرنسي أمام سفير بلاده ودعوته لهم بضرورة أخذ روسيا بعين الاعتبار كشريك أساسي بأوروبا.
هذا التحول في السياسة الخارجية وفي الأولويات فاجأ المتتبعين للسياسة الخارجية لهذا البلد، خاصة أن محاولات التقارب السابقة تعرضت كلها للفشل، وهذا التقارب جسدته زيارة وزير الخارجية الفرنسي جون اييف لودريون يوم 9 شتنبر إلى موسكو، وذلك رفقة وزير الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي، وذلك للقاء نظيريهما سيرخاي لافروف، وسيرغوي شويغو، بهدف تدارس أغلب الملفات الإقليمية التي تهم الطرفين. خاصة أنها حاضرة في أغلب الملفات الساخنة التي تخص أوروبا وفرنسا سواء بأوكرانيا، سوريا والملف النووي الإيراني أو في إفريقيا الوسطى، وسيكون اللقاء فرصة لاجتماع اللجنة الاستشارية في التعاون والأمن التي شكلها البلدان في 1990 من أجل تكثيف التشاور والتعاون في مجال الأمن، والتي لم تجتمع منذ 2014 بعد أزمة شبه جزيزة القرم. وهي أول عملية استحواذ على الأراضي بالقوة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كما أنه من المنتظر أن هذه اللقاءات المكثفة ستقوم بإعداد قمة بباريس بين فرنسا، روسيا، ألمانيا وأوكرانيا خلال هذا الشهر. وقد قامت روسيا مؤخرا بمبادرة إيجابية في اتجاه الانفراج من خلال تبادل الأسرى مع أوكرانيا وهو ما تم اعتباره خطوة إيجابية. والجميع ينتظر كيف سيتم التعامل مع اتفاقية مانسك للسلم لسنة 2015 والتي مازالت مجمدة.
هذا التقارب بين باريس وموسكو يثير العديد من التساؤلات بين حلفاء فرنسا بأوروبا حول هذه الاستراتيجية الجديدة في سياستها الخارجية، فهناك من ينظر بعين الريبة لهذا التقارب مثل ألمانيا وبلدان أوروبا الشرقية وبين بلدان ترحب بهذا التقارب مثل إيطاليا واليونان. كما أن هناك العديد من البلدان تبدي حذرها من روسيا، خاصة أن الوضع بشبه جزيرة القرم لن يتغير وروسيا لن تتراجع بعد ضمها لهذا الإقليم.
«فرنسا في علاقتها مع روسيا لا يمكنها أن تبقى رهينة في سياستها الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية أو دول الجوار الأوروبية، التي تخشى موسكو»، يقول وزير الدفاع السابق جون بيير شوفينمان والذي عينه الرئيس السابق فرنسوا هولند مبعوثا خاصا إلى روسيا.
وزير الخارجية الفرنسية يعترف بتعقد العلاقات مع روسيا وصعوبة النجاح على كل المستويات، سواء في أوكرانيا، سوريا، الاغتيالات بالمواد الكيماوية والهجومات على شبكة الانترنيت، يقول ايف لودريون للصحافة والذي وعد بطرح كل ملفات احترام حقوق الإنسان مع نظيره الروسي.
هذا التوجه الجديد نحو روسيا يقول الرئيس الفرنسي، تفرضه التحديات العالمية الجديدة التي تواجه بلده وكذا أوروبا، في خطابه أمام السفراء مؤكدا على «العلاقة مع روسيا وضرورة استرجاع موسكو لوضعيتها بأوروبا، باعتبارها بلدا أوروبيا له مكانته بالقارة وشريكا لا يمكن تجاهله». مضيفا «إن النظام المتعدد الأطراف الموروث عن القرن الماضي يواجه تحديات كبيرة من قبل اللاعبين الرئيسيين، والقوى السلطوية التي تزداد». وتساءل هل يجب أن نستسلم لهذه الوضعية الجديدة، وأجاب بالنفي، قبل أن يضيف: «نحن بحاجة إلى مبادرات جديدة، وبناء تحالفات جديدة» .
الرئيس الفرنسي اعتبر أنه ليس هناك أمن واستقرار بأوروبا بدون روسيا، لهذا فإن سياسته الخارجية الحالية مبنية على هذه المقاربة رغم صعوبتها وصعوبة العلاقة مع فلاديمير بوتين والمقاومة التي يمكن أن يتعرض لها هذا التوجه داخل الديبلوماسية الفرنسية أو ماسماه ماكرون «الدولة العميقة»، التي يمكن أن تعارض هذا التوجه.
«ضرورة بناء فرنسا لعلاقة واقعية مع روسيا بدل دفعها إلى أحضان الصين هو حساب بارد باسم البرغماتية وليس حسابا أيديولوجيا.» يقول رئيس الديبلوماسية السابقة ايبير فيدرين للصحافة الفرنسية.
التساؤل اليوم هو هل ينجح الرئيس الفرنسي في إقامة علاقات مع روسيا، وهو ما فشل فيه سابقوه، سواء جاك شيراك، نيكولا ساركوزي أوفرنسوا هولند، خصوصا أن فرنسا لم تقطع الروابط مع روسيا وحتى إيمانييل ماكرون منذ وصوله إلى الإيليزيه استقبل فلادمير بوتين بقصر فيرساي بمناسبة معرض بيير الأول مباشرة بعد انتخابه.
ورغم تحفظ حلفائه الأوروبيين وتعارض هذه المبادرة مع سياسته الأوروبية في هذا التوجه نحو روسيا، فإن الرئيس الفرنسي يسعى إلى استقلالية في السياسة الخارجية لبلده عن واشنطن، بالإضافة إلى أن القرب من روسيا هو مفتاح لعدد من الأزمات، سواء بأوروبا أو الشرق الأوسط والخليج العربي أو في إفريقيا، فهل ينجح إيمانييل ماكرون في رهانه على الدب الروسي، أم سيتعرض للفشل مثل سابقيه بقصر الإيليزيه.

الكاتب : يوسف لهلالي - بتاريخ : 13/09/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *