عهد المصالحات والطموحات الكبرى…

تخليد الذكرى 19 لتولي جلالة الملك محمد السادس العرش، هذه السنة، تستدعي استحضار النقلة النوعية الكبيرة التي حصلت في المغرب الجديد، وهي طفرة تاريخية بكل ما في الكلمة من معنى، تمثلت في العديد من الأساسيات التي انضافت إلى بنود العقد الوطني الثابتة:
– أولا : تبييء معنى الإصلاح بشكل عميق في التربة الوطنية، وهو الإصلاح، الذي ظل مطلبا مغربيا لعقود عديدة في الأسبق بدون كثير تجاوب، إن لم نقل مع إصرار شديد على بقاء الوضع الحالي على ما هو عليه…فترة طويلة.
وقد شمل الإصلاح كل المجالات التي ظل يسود فيها الجمود أو التراجع…وقد تحول إلى إرادة سياسية دينامية ودائمة.
– ثانيا: المصالحات الكبرى، بما يجعل المجتمع يسير بتوازن وانسجام بين مكوناته الثقافية (اللغة الأمازيغية) والجغرافية (العدالة المجالية والمصالحة مع الجغرافيات الأليمة) والبشرية (حقوق المرأة والطفل) والتاريخية (طي صفحة الماضي وإقرار العدالة الانتقالية تحت سقف نفس النظام) والمجتمعية (المفهوم الجديد للسلطة )…
– ثالثا: دخول البلاد إلى الطريق السيار للهيكليات الكبرى، في مجال البنيات التحية، وفي وضع الاستراتيجيات الكبرى في قطاعات إنتاج الثروة المادية واللامادية، من الاقتصاد إلى الثقافة مرورا بالحكامة والمال ومناخ الاستثمارات..
-رابعا: تحرير الدولة من خطاب الرضى الذاتي، واعتماد الحقيقة المباشرة في تحديد مركبات البلاد، وتعداد مشاكلها ونقائصها والدفع باتجاه التقويم من خلال اللغة الصريحة .. وإقامة عقد رمزي ومادي مع الشعب المغربي أحد بنوده قول الحقيقة، باعتبار أن السياسة الحقيقية هي سياسة الحقيقة، كما كان الشهيد المهدي بن بركة يردد باستمرار…وقد ظهر ذلك في جيل جديد من خطب جلالته كما في مبادراته وقراراته التي تساير الأفق الوطني.
– خامسا: الإقدام الجيوستراتيجي بما يخدم البلاد، وينوع شراكاتها الدولية، من آسيا إلى أوروبا، مع الاستثمار السياسي والاقتصادي والإنساني في القارة الإفريقية. وهو ما يجعل المغرب في صلب الكثير من ملتقيات الطرق الجيواستراتيجية..carrefours stratégiques
– سادسا: تقوية النسيج المؤسساتي، من خلال دسترة كل المكتسبات التي حصلت والدفع بتقوية النسيج الدستوري، مع تقوية الدائرة الدستورية في بناء الشرعيات التاريخية والدينية، مع تجديد روح الإصلاح الديني، عبر إعادة النظر في تدبير هذا الحقل، وانفتاحه على التجديد والإبداع الذي يستند على ثوابت الدين وثوابت التراث المشرع للأمة المغربية…
-سابعا: تأمين كل هذه الانتقالات والإصلاحات بالرفع من الأمن العام والاستقرار في محيط متلاطم و في سياق دولي يعتمد «الفوضى» العامة كأسلوب في تدمير الشعوب والدول، والرفع من قدرات البلاد الأمنية،بما يجعل البلاد قبلة للتعاون الدولي في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة والنزعات التدميرية كيف ما كان لونها..مع السير نحو بناء الثقة بين مؤسسات الأمن العام والمجتمع في تحول كبير يشكل قطيعة كبرى في هذا الباب..
إن هذه المصالحات والطموحات كلها تضع البلاد على عتبة دولة حديثة، ترسم تطلعاتها بواقعية وكل تفاؤل، مع الحرص على تسمية العيوب بمسمياتها وباللغة الصريحة التي تستوجبها…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *