الثابت والمتحول في الدولة والمجتمع…

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

تذكرنا حلبات الصراع الديبلوماسي، كما قاعات المحاكم بأن المغرب، لا يمكنه أن يقتصد في المخاوف التي ظلت تتولاه منذ عقود، والمتعلقة بـ:
-الانفصال أولا
-والإرهاب ثانيا.. ومن مجريات الأسبوع الذي نودعه هناك على الأقل ملفان في كل بند، ذكرنا بأن معارك حاسمة ما زالت تنتظر على أطراف البلاد، وعلى حدودها وخارج حدودها، فقد تابعنا، إلى حدود الآن أطوار قرصنة سياسية لسفينة مغربية، تحت لواء دولة كبرى في إفريقيا، هي جنوب إفريقيا، حيث غابت كل الأبعاد المقدمة ، جزافا وخديعة، لكي يحل محلها أسلوب القرصنة على خلفيات موقف إيديولوجي تحدده مصالح بعيدة عن القانون التجاري والبحري الدولي!
فقد سعت جنوب إفريقيا إلي القيام بعملية سطو مسلح، لفائدة دولة وهمية هي أول من يدرك بأنها غير موجودة سوى في سيناريوهات التأزيم التي اعتمدتها دولة جنوب إفريقيا.
وذكرتنا معارك الأممية الاشتراكية بأن محاولات الخصم الانفصالي المدعومة من طرف جنوب إفريقيا بالأساس بالثابت في القضية هو العداوة للمغرب، وللتوزيع الجديد للعمل في إفريقيا، لا تكون فيه بريتوريا المحدد الرئيسي في منطقة نفوذها، لكن جوهر القضية هو أن الدولة الكبرى تتبنى القضية في كل المحافل، فهي تحاربنا أمام القضاء، كما تحاربنا في المحافل المدنية الدولية، كما هو حالنا معها في الأممية الاشتراكية، وما بين الشعار التجاري، أو الفصل التجاري في المعركة والفصل القانوني السياسي تلتقي الاشارة واضحة حول معركتنا الثابتة من أجل البلد ووحدته.
وعلى البند الأمني، تذكرنا أطوار المحاكمات، كما في سلا أول أمس، حيث تمت محاكمة جند الخلافة، الذراع القوي لداعش السيئة الذكر، و مراحل تفكيك خلايا إرهابية، بأن من الصعب أن نسقط البند الأمني من التفكير في كل مراحل البلاد..
لماذا هذا التذكير؟
لأن الأمن والديبلوماسية اليوم صنوان في موقع المغرب دوليا، ومما لا شك فيه الآن، فإن الأمن، قد تحول إلى «رأسمال وطني»، بكل ما نعنيه، من رسملة قوية يستفيد منها المغرب في التفاوض الدولي، وفي ترتيب العلاقات، بل في البحث عن تميز ديبلوماسي، قاريا، كما في مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي، أو في التميز المسجل في علاقات المغرب مع عواصم أوروبية كباريس ومدريد وفي المشاركة في تدبير الملف دوليا، كما في اقتسام رئاسة مؤتمر محاربة الإرهاب مع هولندا..
لدينا الآن وضع جديد، لا تغفله المتابعات الجدية لما بعد سقوط دولة الخلافة.. وعلى عكس الاستبشار والحفاوة التي أعلنت بها دولة بغداد سقوط دولة البغدادي، فإن العديد من المتابعين الجديين يعتبرون بأن الدولة الداعشية عادت إلى نصب الكمائن وأنها في حالة تربص، وقد تبين بأن عدد العمليات التفجيرية التي قامت بها داعش في المدن التي أفلتت منها، حوالي 16 مدينة عراقية فاقت 1500 عملية!!! بناء على دراسة لمركز محاربة الإرهاب بأمريكا بويست بوانت(كوامباتينغ تيروريزم سانتر بويست بوانت)، مدرسة الحرب الأمريكية.…
وخلاصة التقرير أن داعش ستعود إلى شكلها ما قبل الدولة، أي الشكل الذي وجدت عليه من 2003 إلى 2011 .. وهو ما يعني بؤرا متحركة في حرب عصابات تؤلم ضرباتها. وهذا التوجه يطرح صعوبة كبرى على الدول الأصلية، ومنها بلادنا بعشرات المئات من المقاتلين..
إنها إدارة التوحش القادم.
لقد كتبت «مجموعة الأزمات الدولية»(انترناسيونال كريزيس غروب) في 2016 عن إرادة الداعشيين في استغلال الفوضى والأزمات: «التيوقراطية والإقصاء السياسي، والتدخلات الغربية البئيسة، والحكامة السيئة، وإغلاق أنماط التعبير السياسي السلمية،وانعدام ثقة الهوامش إزاء الدولة، وغياب أية آفاق لدى الشباب المتزايدة كل هذا لعب دورا في حيوية داعش..
لماذا هذا التذكير مرة أخرى؟
لا نريد أن نعود إلى التفكير الذي ساد في فترة من الفترات في تدبير موقع بلادنا، والذي يعتبر بأن صعوبة المعركة الخارجية، واشتباكات وضعنا الصعب قاريا، لا بد له بالضرورة من توتر العلاقات مع الهيئات الحقوقية دوليا، والتغاضي عن أي مس بالمسارات الديموقراطية والمؤسساتية..
هو تفكير اعتقد بأن الوطنيين، من أمثال عبد الرحيم رحمه لله يعتبرون بأنه يضيع على بلادنا مناسبات عالية القيمة في إسماع صوتنا الوطني والدفاع عن حقوقنا.. ونحن مجبرون، واجبا وأخلاقا، على استحضار هذا البعد، لاسيما وأن التقدم الذي حصل منذ بداية العهد الجديد، والتحول في العقيدة الأمنية وضعا القضية في ترتيب آخر للأولويات..
ليس من مصلحتنا أن ننحدر بالأمن إلى وضع غير الوضع الذي رفعته إليه السياسة العقلانية للدولة، وأيضا الاحترافية والمهنية والخبرة التي اكتسبها أهل الأمن وأهل القرار الأمني بشهادة كل الشركاء الدوليين..
لأنه ليس من مصلحة بلادنا في شيء أن يتم إقحام الأمن في قضايا تمس بوضعه الاعتباري الجديد، وتحوله إلى موضوع تشكيك أو استخفاف أو دفاع، بأي مبررات كانت..
ومن المفارقات التي لا يمكن أن نتجاوزها في الوضع الحالي، هو ما نعرفه اليوم في محيط قضية الريف والحراك فيه، تمس في جزء كبير آليات اشتغال مؤسسات الدولة، في الوقت الذي سلم بها الجميع بأن وسائط المجتمع أصيبت بالتهاب مفاصل، «ارطروز»إيديولوجي وتنظيمي واجتماعي غير مسبوق، يكاد يكون «إراديا» في الكثير من تمظهراته، لكن له أسبابه العميقة في طريقة اشتغال مؤسسات الدولة نفسها!
لقد كان على الوزراء أن يتحركوا قبل أن يطلب منهم الوضع المقلق لسكان الريف والحسيمة خصوصا ذلك، وكان عليهم أن يشعروا بالمسؤولية قبل أن تمس الحرية وتعود إلى جدول أعمال الأجيال الجديدة من النشطاء والفاعلين والشباب، وقبل أن يكون التعذيب، موضوع تقارير وتقارير مضادة، بل موضوع تعليمات ملكية صارمة حوله، وقبل أن يتعلق الأمر بالتدخلات الأمنية وما أصبحنا نتعارف عليه بالفيديوقراطية!
وكان على الحكومة، الآن وقبل الآن، أن تشعر بمسؤوليتها في ما يقع حتى لا يختزل الملف كله في البعد الأمني، والبعد المتعلق بالاعتقالات ..
كرامة الناس، أحرارا أو معتقلين، لا يمكن التفاوض حولها وكرامة البلاد أيضا، دون أن يعني ذلك أن هناك كرامتين متناقضتين في الشرعية والقوة، أبدا، لكن من الكرامة أن نسعى الجواب عن طريق المؤسسات عما يمكن للمؤسسات أن ترتكبه، وأن يتحمل الجميع مسؤوليته في صيانة الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية وقوة المؤسسات..
لقد تبين أننا لم ندخل بعد إلى حكم التواصل المنتج والشامل، لكن بعض إرهاصات التدبير التواصلي للملف يطرح الكثير من عناوين الفيديوقراطية:أي الحكم عبرالصور والشرائط ووسائل الاتصال، وليس في ما كتبه الرميد أو ماراج من فيديوهات وصور سوى بعض مظاهر الفيديوقراطية، التي تستوجب مشروعا عاما للديموقراطية والتواصل، بدون أن ننسى أن قضايا جوهرية، وراء ضرورة تنقية الأجواء، والتوجه نحو الأساس..
ليس من حقنا أن نفرض على مؤسسة استراتيجية، تعرف مهامها جيدا ودخلت احترافية غير مسبوقة أن تعوض عجزا كبيرا في السياسة وخللا فادحا في الوساطة..
ونحن نسيء إلى بلادنا كلها عندما نريد من البلاد أن تطارد الصيف على الشاطئ
ولا أن تحاصر طفلا يقلد شكل موجة في البحر
ولا أن تسيء إلى فنانة كل ذنبها أنها علقت حريتها على صوتها..
هذا وضع لا يليق ونحن نسيء لمؤسساتنا عندما نفرض عليها، من أي موقع كان، حربا ليست حربا بأي وصف كانت…
(غدا في التدخل الملكي وانقلاب المعادلة )

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 15/07/2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *