الصورة ـ الحدث ـ الرسالة

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

الحدث، أول أمس الثلاثاء، كان بلا منازع، هو الصورة…
صورة ملك البلاد، مستقبلا رئيس الحكومة ووزيرين من الوزراء، وهو يضع الكمامة على وجهه، كما صدر القرار بذلك.
عند استقبال الدكتور العثماني، وكلا من سعيد أمزازي وعثمان فردوس، في «كاستينغ» حكومي جديد، يتعلق بتوزيع أدوار أكثر منه تعديلا، كانت صورة ملك البلاد تغطي أكثر على التعيين الجديد.
رأينا الكثير من رؤساء الدول والحكومات وساسة العالم يضعون القناع الواقي، غير أن الفرق قائم هنا بالذات، إذ كانت الصورة، يوم أول أمس الثلاثاء 7 أبريل، متزامنة مع اليوم الأول لتجريم عدم وضعها، كقرار صادر عن الحكومة..
في اليوم الأول لتطبيق تجريم عدم وضع الكمامات في أي نشاط ميداني..
كانت الرمزية عالية، بمدلولها الملموس، لا بتأويلها الممكن.. رأينا اجتماعات رسمية كانت الصورة تقول. إن ملك البلاد هو أول من يطبق القانون الصادر عن الحكومة في ما يخص المنع من ممارسة عمل ما بدون كمامات. وأن ملك البلاد يؤمن بالفعل بالقوانين ويعطي الانتباه إليها الذي تستحقه.
ملك البلاد، أعطى للقرار قوته، بما يحمله من رمزيات. خاصة وأننا نرى أن اجتماعات رسمية، تمت ولم نشهد الالتزام بالاحترازات..
لن نقارن، لأنه ببساطة لا مقارنة مع وجود الفارق..
تضاف الصورة الحالية إلى الصورة التي سبقتها، والتي تزامنت مع أول أنباء الكورونا في البلاد، وانتشارها في العالم، نحن نذكر إبان تعيينات سابقة، عندما التزم المعينون وملك البلاد بالمسافة الآمنة في ذلك وتم التنازل عن بروتوكول ضارب في التاريخ والرمزية لكي لا تخرق قوانين اتفق عليها العالم والأطباء والخبراء..
استقبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يوم الأربعاء، 11 مارس 2020 م، بالقصر الملكي بالدار البيضاء، الأعضاء الأربعة الجدد المعينين بالمحكمة الدستورية، وذلك طبقا لأحكام الدستور، والقانون التنظيمي لهذه المحكمة، ولاسيما المقتضيات المتعلقة بتجديد ثلث أعضائها.
كانت الصورة، لملك البلاد بكمامة، امتدادا بيداغوجيا وسياسيا للصورة السابقة.
كانت الصورة فعلاً بيداغوجيا، وأيضا طريقة في إثارة موضوع يشغل المغاربة، بما يجعل منه وجها في تدبير الأزمة المحتملة فيه أو به.
ستكون الصورة الأكثر قدرة على إقناع المغاربة باتباع نصائح الأطباء والمنظمات المعنية، والحرص على التعامل الرصين والجدي مع الظرف الصحي الحالي في العالم..
شفافية وتربية، هما ما يمكن أن يستشرفه الذين تابعوا الاستقبالات الملكية الرسمية، في هذه الظروف، إذ لم يغفل المتتبع للأنشطة الملكية التغيير الواضح في البروتوكول، لدى الاستقبال، والاقتصار بروتوكوليا على وقوفهم أمام جلالته.. وهي صورة تبين الجدية التي تتعامل معها بلادنا، من خلال بروتوكول مسطر بطريقة دقيقة، يتغير لبعث رسالة واضحة للرأي العام، مفادها أن الجدية مطلوبة، بكل المقاييس.. باحترام ما يقوله الأطباء والمهنيون وخبراء الصحة في العالم، بما يناسب الإجراءات المصاحبة للوقاية من فيروس كورونا..
كثافة اللحظة، تجسدت فيها، وصارت هي اليوتوسethos الجديد للحادثة.. صورة هي جوهرها، الحامل للكثافة ..سواء عبر التكثيف الرمزي للماديات السياسية أو التكثيف السياسي للرمزيات، والصورة لا تقدم لنا الخبر والاستقبال هنا، فقط. بل هي تطغى على الحواس، وتدفع بنا إلى خوض تجربة وعي تتجاوز كثافة اللحظة.. مضامينها ثلاثية.
ها ما نقوم به
وكيف نقوم به
بل أيضا، وأساسا، لماذا نقوم به، هي ذي الرسالة..
للعين المغربية تاريخها مع الصور التي يبعثها ملك البلاد، وهنا تعود إلينا صورته وهو يضع «كلنا مع فلسطين»، عند استقبال كولين باول في عز الحرب على الشعب الشقيق.
المعنى أخذ كل مداه، أيضا، عندما نستحضره وهو يمشي في أوحال «انفكو» أيام مطر وثلج وريح..
صورة مادية، تقابلها أيضا صورة ذهنية، لا مادية، تترجم المكتوب الذي صدر في البلاغ..
أي القرار الذي خضع له الملك المواطن، ولكن خضع له في نفس الوقت رمز الملك بكل حمولاته المغربية، وشحناته الدستورية المؤسساتية الدينية التي تعطي صورة واقعية للشعب الذي يرى ويتابع ويفسر ويتماهى..
الصورة جاءت بعد القرار، ولكن أيضا لتهدئ الذين فاجأهم القرار في آنيته، بصرامته القاسية للتطبيق الفوري، باسم القانون..
هنا التزام باسم القناعة، هنا التزام باسم أخلاق المسؤولية لدى القائد..
لكن أيضا هامش واسع لأخلاق الاقتناع والحرية في الاختيار.
صورة للتماهي بطبيعة الحال، تريد تغييرا في السلوك والمواقف والاعتقادات السائدة إزاء اللحظة، مع خطاب ضمني ورسالة محايثة مفادهما. العمل لا يتوقف مع وضع الكمامات حتى على مستوى أعالي الدولة…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 09/04/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *