انتخابات، تعديل، أم هرج سياسي يؤشر على الارتباك…؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

نعيش في الجو السياسي المغربي حملة متواصلة عن الانتخابات، بدون أن تكون هناك جدولة معلنة لها.
والذي يتابع مجريات الحقل الحزبي والحكومي، لا بد من أن يطرح على نفسه سؤالا مباشرا:
هل ستكون هناك انتخابات سابقة لأوانها؟
هل نحن على أبواب تشكيلة حكومية جديدة، تمهد لانتخابات سابقة لأوانها أيضا، يبررها هذا النزاع العابر للطبقات؟
أم أن كل هذا نوع من التضبيب السياسي، الذي يريد أن يحاكي النقاش العمومي؟
بالنسبة للسؤال الأول: لا يوجد في جعبة الاحتمال ما يقنع به..
فالكل، شكليا، يعلن نفسه فائزا محتملا في انتخابات 2021..
أو على الأقل يتمرن على الفوز بناء على خطاطات ذهنية أواستحلامات لا تعير الواقع كثيرا من القوة….
وحتى في حالة التسليم بنسبية ما في صدقية هذا الاحتمال- أي انتخابات سابقة لأوانها- فإن الأمر سيكون في عمقه قد حسم في مربع صغير للغاية بدون إخبار الناخبين..
أي احتمال مثل هذا لا يعول كثيرا على…… الناخبين!!!
العنصر الآخر، هو أن العهد الجديد لا يميل إلى التجريبية الناقصة، منذ أن هل على المغاربة، إذ طبع الحياة باستمرار الحكومات والأغلبيات، إلا في ما ندر، أو عندما كان الوضع السياسي أكبر من الانتخابات، كما في فبراير 2011.. الذي هيأ لوضع دستوري متقدم للغاية عن الأغلبيات والمعارضات كلها، إلا في ما ندر من قوى الإصلاح التي ربحت الإصلاحات وخسرت الانتخابات…
بالنسبة للتغيير الحكومي، وإن كان يتم تداوله، كخطة لاستكمال حسابات سياسية موروثة عن مرحلة ما بعد بن كيران، فقد يميل كل طرف إلى تقديم مناصريه السياسيين القادرين على المهمة… لكن الذي تكرس منذ العهد الجديد هو:
– التعديلات الحكومية، التي تمت في السنوات الأخيرة مبنية على أُسٍِّ سياسي دستوري، هو ربط المسؤولية بالمحاسبة، أو أنها ارتبطت بتفاعلات اجتماعية كبرى، تتجاوز الحد الأدنى السياسي المشترك الذي يطبع العمل الحكومي ( الريف مثلا…).
وقد يكون التعديل المعلل، في هذه الحالة، نوعا من تحريك الفضاء العمومي، في استحالة انتخابات في غير موعدها….
بالنسبة للأجندة السياسية الفعلية، التي تهم البلاد والعباد، هناك ما يدفع العقلاء إلى الانشغال بعمق الأسئلة: اللامركزية، اللاتمركز، النموذج التنموي الجديد، الحراك اللغوي، السجل الاجتماعي الموحد، المدرسة العمومية، والطبيعة الاجتماعية للدولة..
كل هذا، هو دفاع عن جدوى الذهاب إلى عمق المعضلات عوض التسخينات السياسوية، والفبركات اللغوية التي لا تصمد أمام امتحان الواقعية..
غير أن الذي يحدث هو ما قد يحيل عليه السؤال الثالث، أي التضبيب السياسي!
في المشهد المرتجل منذ مدة، يحدث أن يدخل رئيس حزب سياسي من الأغلبية في تراشق مجازي مع أمين عام سابق لحزب من الأغلبية، بدون تحديد أين تقف مسؤوليته السابقة من مسؤوليته الحالية…
ويمكن أن يساجل وزير يمارس مهامه رئيسَه السابق الذي غادر المسؤولية والمهام، بدون تحديد لتأثير ذلك على سلامة الحوار الوطني حول المستقبل، كما لو أن الماضي وحده يملك القوة والمعنى في تحديد جدول أعمال الراهن!
لكن يمكن حتى للسريالية أن تكتسب بعضا من إغراء النقاش الجاد والمسؤول:
كأن نفترض بأن المسؤول السابق ما زالت له ظلال طويلة يرميها على الحاضر
ويرميها على المستقبل
وأن هناك أنا من ماضٍ لا يمضي حقيقة..
أو أن المعركة مع من خرج من دائرة الضوء التدبيري لا تنتهي باعتباره ما زال داخل دائرة الضوء السياسي…
يمكن أيضا أن نفترض أن المرحلة التي ولدت من رحم قيصرية صعبة، وبعسر سياسي، ما زالت تخيم بظلالها على المرحلة التي ولدت منها، وأن الخلف ما زال مسكونا بسؤال السلف..
وأن المرحلة الحالية ما هي إلا صورة «نيجاتيف» لمرحلة سابقة لا يبدو أنها استنفدت أشياءها وأدواتها ووسائلها..
كما لو أن المعركة الآن مع الممارسين الفعليين لا تكفي، بل لا بد أن تضاف إليها معركة مع السابقين..ولا خوف علينا من أن يختلط حابل ما مضى مع نابل ما هو قائم..
كما لو أن الحملة الدائمة، والتشكيلة الهائمة… هي الأسلوب الوحيد في الحكامة السياسية المطلوبة…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 16/03/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *