سوس، صرة البلاد.. الجغرافيا السياسية الداخلية الجديدة… 2/1

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

‬بعد‮ ‬44‮ ‬سنة،‮ تغيرت جغرافية المغرب، وعشنا بهذه البداهة أربعة عقود ونصف، بدون أن نستوعب معنى ذلك في التنمية، حتى ذكّرنا خطاب المسيرة بأن الجغرافيا الجديدة، تفترض منا سياسة جديدة، بل إعادة ترتيب التراب الوطني، مركزه وشماله وجنوبه، بما تحدده البداهة الجغرافية..
فلا الجنوب هو الجنوب..
ولا الشمال هو الشمال ..
ولا الوسط هو الوسط.. أما الشرق، فهو في جواره الصعب، بفعل السياسة أكثر مما هو هامش تركته الجغرافيا..
فالمسيرة أعادت إلى البلاد، في نونبر 1975 ما أصبح يشكل 59 ٪ من ترابها‪،‬ أي ما يقارب ثلثيها…
وبما أن الزمن أبو البديهيات.. فالأشياء كلها تتحول، مع الوقت إلى بداهة.
وكل ما مر من الوقت في البداهة ، يفيد بأن الجغرافيا إذا تغيرت، فلا بد للسياسة من أن تقتفي أثرها..
هكذا صار ما كان يمثل جنوب المغرب، أي سوس ماسة درعة قبل 1975، بقلبها النابض أكادير وكلميم بوابة الصحراء، صار في الواقع هو منتصف التراب الوطني نحو لكويرة. وهذه البداهة، تقول بأن جهة سوس ماسة، صارت نقطة الارتكاز، épicentre، ولم يعد كما في السابق، هو وسط المغرب التقليدي.. والمتأمل لخريطة المغرب الداخلية، سيجد في التذكير بها – ولعل البديهيات هي التي تتطلب في الغالب الكثير من البرهنة عليها – مغزى قويا..
في الشمال المغربي توجد حيوية ترابية وتنموية كبيرة، كما أن الزخم الذي انطلق منذ 75، في أقاليم الصحراء، غَيّر من فيزيونوميا المنطقة ومن معطياتها الاقتصادية والجغرافية والتنموية..
وظلت منطقة سوس، بِلُغة الملك نفسها، دون مؤهلاتها السياسية.. وظل شرطها التنموي لا يعكس احتياطها ورأسمالها الموجود، بشريا وطبيعيا واقتصاديا..
انزياح المركز نحو الجنوب، له مغزى أيضا على مستوى تجسير الفجوة ما بين ما تحقق شمالا (طنجة – القنيطرة) وما يتحقق كل يوم في أقاليم الصحراء، وضعف الاستفادة على مستوى سوس ماسة..
1 – سيكون للأشياء معنى أكثر ملموسية، عندما يستكمل النموذج التنموي لأقاليم الصحراء والذي وضع منذ 2013، وأعطى ملك البلاد انطلاقته في 2015، كل وعوده وثماره في 2025… التي تفصلنا عنها قرابة خمس سنوات..
ويمكننا وقتها أن نقيس درجة التأهيل الثلاثي، جنوب، شمال وسط ..وحصول نوع العدالة المجالية بين مكونات الجغرافيا الداخلية.. الثلاثة.
من المحقق أنه لمّا ينزاح مركز الجغرافيا، تتغير السياسة الجغرافية الداخلية بالضرورة..
وكلما كان المغرب يتجه نحو الجنوب أكثر، كلما تحولت عواصمه، السياسية الاقتصادية والتنموية عن سابق عهدها.
ربما نتذكر تاريخيا، أنه كلما تكرس التوجه المغربي نحو افريقيا ـ السودان ومالي وقلب افريقيا) عبر تاريخ المغرب الكبير، كلما تكرست مدن الجنوب (مراكش، تارودانت، وغيرهما) كمركزيات للسلطة.. واليوم بمعطيات أكثر عصرية، لم تعد الرباط هي المركز، كما كانت حين كانت المسافة الفاصلة بينها وبين طنجة هي نفسها التي تفصلها عن أكادير، بل صارت هذه الأخيرة، هي مركز المغرب بعد أن صارت المسافة التي تفصلها عن طنجة (789 كلم) هي تقريبا التي تفصلها عن العيون، (حوالي 700 كلم)..
إنه قانون تساوي البعد.. l‪’‬équidistance
2 – كل تغيير في الجغرافيا الداخلية يكون له تأثير على السياسة الدولية، بل هي بداهة الجيوسياسة، وهي ما يذكرنا به خطاب المسيرة مجددا ..وبمعنى آخر، ما هو تأثير هذه الهوية الجهوية الجديدة، على العلاقات مع الشركاء في القارة الافريقية؟
نجد أننا أمام تحول داخلي، وعلاقات سلطة في فضاء محدد، لها انعكاس مباشر على وضعية البلاد في العلاقات الجيوبوليتيك: افريقيا ومغاربيا..
بالنسبة لافريقيا، هناك مكتسبات يجب تركيزها، والتعريف الجديد للتراب السياسي، ونقط ارتكازه، يدعو إلى تثمينها والرفع منها (علاقات قوية وألف اتفاقية وتوجه ديبلوماسي قوي غير مسبوق)
مغاربيا، هناك واقع لا يرتفع.. الجمود هو السمة الغالبة على الوضع العام بالمغرب الكبير، بالرغم من وجود انتظارات قوية وأسباب حاسمة من أجل تحريك علاقات استراتيجية جديدة أكثر حيوية.
وعليه، فالاتجاه شرقا لا يسعف «قطار» التنمية، بعد توقفه عند الحدود الشرقية للبلاد، وتعثر الطريق الشامل والكبير على الطول المغاربي…
3 – إن المعطى الجيوسياسي الجديد في اتخاذ القرار، هو معطى يفيدنا في النظر إلى الدولة كهيئة جغرافية أو ككيان في الفضاء..
والدولة هي سياستها الجهوية في مغرب اليوم.
سنفهم طبيعة الدولة من طبيعة الجهوية وطبيعة الجهوية من طبيعة الدولة.
وبما أن الحديث يدور عن السياسة، فلا بد من الحديث عن التأهيل السياسي، بالشكل الذي يستحضر الشمال والتدبير السياسي لثورته الاقتصادية والتنموية..
هناك عناصر للقراءة، لا يمكن إغفالها.
فلا يمكن أن يسارع البعض إلى تقييم سيفيات (CV) سياسية سريعة وطارئة، لأجل مصاحبة التأهيل الاقتصادي الصحيح الذي يريده ملك البلاد..
ومن المحقق أن التوجه البدهي المنطقي، يقتضي أن يساهم الجميع في إنجاح القفزة الترابية التنموية الجديدة..
وهو تأهيل ينعكس على الجميع والمواطن والوطن أولا..حتى لا نكون أمام تفاعلات سلبية بين الفضاء الجغرافي وبين المنافسات السياسية بلْه النزاعات السياسية الناجمة عنها..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 09/11/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *