على خطى القصيدة ….1/2

عبد الحميد جماهري

 

يسعفنا محمد بنطلحة دوما، في تحويل الشجرة إلى نجمة،
ويسعفنا كلما قرأنا له أو سمعنا شعره في أن نتخطى تلك المفارقة التي تجعل الأرض موطنا سحريا للشجر
والسماء موطنا انفراديا للنجمة
وبضربة مجاز، عندما يربح السماء ويخسر الأرض،
تضيع الفوارق بين المسميات..
هكذا بضربة مجاز أيضا
يصير الضوء مع النجم ظلا
ويصير النظر إلى الشجرة معرفة..
إنه يعيد علينا وصية فيكتور هوغو:لا بد أن تعرف كيفية النظر إلى الشجرة
لكي يولد الشعر
محمد بنطلحة فرصة لا يمكن أن تضيع ..
حتى وهي تتكرر تحتفظ دوما بسرور المرة الأولى
هكذا وقع لي في معرض الكتاب، عندما قادني السي محمد بوجبيري إلى لقاء حضره الشاعر ومترجمه..
وهكذا صرت لا أنتظر قراءة محمد بنطلحة بل أتمنى أن يستمر في حديثه الشيق عن الترجمة.…
يقول محمد بنطلحة، بعد تجوال مجازي في كل إقليم الدلال، إن بمقدور النص المترجم أن يتحول إلى نص أصلي، وبالإمكان، تبعا لذلك، إثبات أن النص الأصلي هو النص… الخائن..
وبذلك ينهي بنطلحة تلك العلاقة الدائمة التي تجعل الترجمة خيانة والنص المترجم هو ثمرة سفاح بين لغتين..
إنه يعلمنا بأن القصيدة، وهي تتشرد في لغات أخرى تستعير زينة اللغة المضيفة، وتتملكها وتحولها إلى حمض لغوي وراثي.…
***
كان حظي من دواوين الشعر هذه السنة، أقل من السنة الماضية.لا سيما المترجم منه، من إقليم الشمال الأوروبي. الركه المتجمد من قبلة الخيال الشاعري.. ذلك الشمال المطلق، والذي لا تبصره عادة عين القارات الوسطى والحارة، كالقارة الإفريقية.
في تلك الجهة التي يسير الشعراء فيها بظلالهم، الملأى بالثلوج، ظلالهم البيضاء هناك، خيال واسع، وهاديء يملأ النص الشعري بأجراس الثقل، لا أجراس الخفة التي تحرضنا عليها الشمس هنا في الجنوب المتعدد مثل الطبقات الجيولوجية….
كان حظ ديوان شعر صيني، كصدى تلك الأجراس، في قضية باي جوي من عصر التانغ(618/907)، الذي اشتهر بالشعر..أجراس تشبه قمر المنفى الذي يجز القلب، مثل الأجراس في الليالي الماطرة…، هذه المقاطع لحوالي 150 قصيدة، يصعد مع السحاب المتصاعد المتراقص في حين ينزل الشعراء مع الغروب إلى مواقع في العتمة، حيث ينمو الخيال.…
**

أنقذنا بيت الشعر حقا، أقام واحة شعرية في الطرف الأقصى من المعرض، هناك كانت الأجيال تتحدث بأصوات هامسة، في ليل المعرض.وتقام حفلات صامتة يرتادها الشعراء خفافا.
أنقذنا بالفعل بيت الشعر، عندما أقام بهوا مجازيا للقصائد، كي لا تضيع بين الأنواع الأخرى، في زحام ورقي صار مشهدا لغويا سنويا تقل فيه براعة الشعر لفائدة النثر المترامي، الذي قضم كل سنة جزءا من الشعراء…

***
كانت الأمسية التي جمعت جمال بودومة، وجمال موساوي وفؤاد الشردودي، من بيان الهدنة مع النثر، وبوعزة الصنعاوي، من زجل المعيش، لحظة لتدبر الخيال، ولحظة يسعى اليورمي فيها إلى تدبر أمره بطريقة جيدة، مع اللغة الشعرية الحديثة.
سعدت بالفعل بتلك الأمسية، وبالمجابهات الصامتة على مداخل الخيال الجديد في قصيدة المغاربة الشعراء.مواجهات يسعى الشعراء فيها إلى تحرير الخيال من كل الأقفال التي تسعى به إلى تماسك لغوي فج معزول عن الذات.
نصوص في قمة السعادة، لا تحتاج إلى الخارج لكي تقيم معمارها الإنساني، إنها تحتاج إلى سلام عفوي مع العالم…

إنهم يضعون نظرة على ورقة يابسة
فتخضر.
..
هؤلاء المثابرون
بجرعات زائدة من اليومي في الخيال..

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 18/02/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *