غُلِبَتِ الرُّومُ …في أقصى باريس! 2/2

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

***
نتعلم من فرنسا أنه من الممكن أن يغير بعضنا اسم الوردة
لكنها لن تفقد عطرها، كما نبَّأتها بذلك نزعة شكسبيرية عتيقة لا تفارق الحدائق القريبة من الأحلام..
***
ندرك جيدا أن نهر «السين»
لن يصب في «سبو»
وأن الشانزيليزيه ليس شارعا يقود إلى القامرة..
وأسواق الناحية..
ومع ذلك نحتاج أيضا للانتخابات الفرنسية للتفكير في التراث الإنساني للمغرب السياسي..
وللتفكير في معنى السياسة وارتباطها بالمشاريع
الفكرية
والعقدية
والاقتصادية
والوطنية
والإقليمية..
نفكر بعقلانية الأنوار في مآلات السياسة في فرنسا، لا لأننا جزء من هوية الهناك، بل لأن الترابط بين الهيئات المدنية والمؤسساتية، وبين أبعادها الفكرية قلما يغيب عن الفعل السياسي.
هناك إغراء خاص في أن نتأمل دروس الفرنسيين في السياسة وتحولاتهم..
ونردد أيضا، ما تراكم من قراءات..
-تصدع البنية الحزبية الثنائية التي نشطت الجمهورية الخامسة، كما تأسست مع ميتران وشيراك..
– انتصار دعوات الثورة الفرنسية إلى التصويت ضد أصحاب المال
والتصويت ضد مؤسسات الاتحاد الأوروبي
والتصويت ضد السياسيين الخالدين
والتصويت ضد النظام القائم
والتصويت ضد القضاء والسياسة والإعلام في الجمهورية الخامسة..
– خليط من الغضب والحسرة والخوف والشك يدفع الرأي العام للبحث عن توزيع أوراق… لا يعرفها، بدقة،! بين يسار يضمن الراديكالية الاجتماعية واليمين الذي يضمن الراديكالية الهوياتية….
– البحث عن أبطال عاديين، لا يسارعون إلى السلطة من أجل استراتيجيات فردية، بل من أجل مواجهة المد الشعبوي العالمي..
– سقوط جزء من اليسار لأنه صار جزءا من الجمهورية القديمة، في مفارقة تجعل التقدمي رمزا للبنيات العتيقة…
– رسملة الخوف الافتراضي من الآخر والخوف الحقيقي من الضربات الإرهابية وبناء جدار سميك من الرعب بين المواطن وبلاده، حتى إعلان التصويت أداة للانعتاق، حتى ولو تحولت الديموقراطية ضد نفسها مع اليمين المتطرف..
غير أن ما يشدنا إلى تجربة الجمهورية الخامسة هو أيضا اسم الوردة..
نتعلم من فرنسا أنه من الممكن أن يغير بعضنا اسم الوردة
لكنها لن تفقد عطرها، كما نبَّأتها بذلك نزعة شكسبيرية عتيقة لا تفارق الحدائق القريبة من الأحلام..
سيبحث بعضنا عن اشتراكي فرنسي فينا نام
ويبحث آخرون عن الفرق بين هزيمة في الضفة الأخرى، وانتصار منتظر هاهنا، في الفارق الصعب بين الدولتين..
وآخرون سيتذكرون، بعد أن ترفع العاصفة أوزارها وترحل، عن المشترك بيننا وبينهم في ما يخص قص الأجنحة كي ينهار الطائر من عليائه الايديولوجي إلى واقع يهرب منه…
بعيدا عن …الحقيقة!
الحقيقة التي يدعو إليها اليمين الجمهوري هي أن الجمهورية ليست في خطر، لأن مارين لوبين لا تملك الآن حظوظا للفوز…
لكن فرنسا، البلاد، معرضة للخطر باستمرار وجود اليمين المتطرف..
ونحن قد نقتسم التحليل، لكن لسنا مطالبين بالخوف على ديموقراطية علمت الناس حقوقهم ، وعلمت الدول القيادة في طريق الحضارة..
نحن نختار ما يجمعنا بالذي يجمعنا..
نسأل :القناعة أين تقف ليبدأ التصويت النافع
وأين ينتهي الدور الدفاعي للأول في فتح المجال …للثاني..
كانت المشكلة، كما عبر أحد مناضليه: لا، المناضلون لم يختفوا، بل لم يصوتوا على مرشح لم يجدوا فيه حزبهم..
لا أحد يستطيع أن يقيس ذبذبات الهزيمة، وأين وصلت موجاتها الارتدادية لحزب ظل طوال عقود من ركائز الحياة السياسية، يختفي، ينهار ويقبع في الرتبة الخامسة..
وبونوا أمون لا يعرف ماذا يفعل من بعد:الانفجار أو الانهيار؟
هل يستطيع المرشح المنهزم أن يقود حزبه الآن؟
أما زال أمام المريض فرصة لتشريح إضافي لا يقوم به المحبون بل الأطباء؟
ما الذي سينقذ البيت الفرنسي العتيق: المزيد من الآلة التنظيمية أو الإرادوية غير الاحترافية؟ كما طرحت الصحافة على كامباديليس… هل سيكتفي بتفسير الخيانة»، من طرف ايمانويل فالس والجناح المنعوت باليميني، لكي يرتاح في ضمير الجندي المجهول؟..
من أصعب ما يواجهه الحزب الاشتراكي، بلغة أهله طبعا، هو أن يجد نفسه على نفس المسافة…
بين فرنسا المتمردة»، بقيادة جان لوك ميلانشون
وبين «إلى الأمام» بقيادة ايمانويل ماكرون،
أي مترنحا:
لا هو في نفير المجتمع
ولا هو في عير الدولة..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 26/04/2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *