في ثلاثية المصالحة وتعزيز الثقة وتفعيل النقد الذاتي 3/1

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

سيذكر التاريخ أن المصالحة، كريح هبت على المغرب في نهاية العهد القديم، شكلت في تواتر الرواية الوطنية le récit national قاعدة تمتين الانتماء في العهد الجديد.
ولعلها صارت، بالنظر إلى سعة ما حملته من تصحيحات في أعطاب التاريخ، كمفهوم مركزي للانطلاق نحو الأرحب، والأكثر أمانا في المعيش اليومي للمواطن المغربي.
المصالحة هي قاعدة العهد الجديد، وزاوية نظر لقراءة جزء كبير من التاريخ، السياسي طبعا، ولكن أيضا بفقراته المجالية، واللغوية، والنسائية، مركزا وهامشا..
وسيذكر التاريخ كذلك، أنه عندما قررت قوى السياسة الإصلاحية والعقلانية والدولة، في نهاية القرن الماضي، وضع عتبة المصالحة، مدخلا لإصلاح البلاد، لم يكن الجميع راض عن هذه الخطوة.
والتقى في ذلك النقيضان: عتاة المخزن، وعتاة الرافضين المعارضين….
من يعتبر الضحايا مارقين ( وربما سلاكط بلغة الفقيد عبد الكريم الخطيب )، ومن يعتبر المسؤولين جلادين تلزمهم المشنقة، على غرار روبيسبييرات في اللاوعي الثوري…
لكن الذين كانوا يدركون أن المصالحة، التي هبت رياحها في إفريقيا وفي آسيا، في تلك الفترة من القرن العشرين، كان لها دعاتها العقلانيون، الذين آمنوا بأن التاريخ قد يبدأ بالراديكاليين، والراديكالية التي تشكل تربة خصبة للصراع والتوتر، وبالتالي بالانتهاكات، لكنه في المحصلة لا يسير سوى بالمعتدلين، وبالإصلاحيين، الذين يعرفون سقف المراحل التي يستعيد فيها الإنسان مكانه في التاريخ بواسطتها..
والاتحاد، كحركة تاريخية، كانت له مشاركته الحاسمة في مسلسل المصالحة..
المصالحة كمفهوم لا بد لها من بنية دالة،structure signifiante كما يقول أهل اللغة. تجعل منها معطى ماديا قائما وملموسا.
وبالنسبة للاتحاد فقد كانت هذه البنية الدالة هي التصويت على دستور 96، بالرغم من محدودية تجاوبه مع سقف الإصلاح المأمول.
\كانت دعوة سياسية إلى الدخول في مرحلة جديدة بعد أربعين سنة من الصراع والقطيعة..
وبذلك قد وضع الاتحاد، في ما يتعلق بمساهمته كحركة كان لها النصيب الأكبر من الضحايا والذين اكتووا بالقطيعة، قطار المصالحة على مساره السليم، وانفتحت رحلة كبيرة، كان التناوب أحد أهم منجزاتها، وتمظهراتها.
ولعل العهد الجديد سار في تعميق المصالحة بتجديد الثقة في حكومة عبد الرحمان اليوسفي، الذي هندس التناوب وهندس المصالحة في شرطها السياسي والدستوري.
وفي ذلك إشارة إلى عمق ما كان ينتظر المغرب، من طرف عاهله الجديد الذي أعطى الزخم كله لهذه المصالحة..
وكان المغرب قد وضع كل إمكاناته، المالية والثقافية والتدبيرية لأجل إنجاحه..
وقبل أن نسترسل فيه، لا بد من أن نذكر بأن الكثيرين اعتبروا مواقف الاتحاد الإيجابية، في السياسة أو في الدستور، خيانة كبرى، بل انتحارا تاريخيا يخرجه من جنة اليسار!
وكثيرون أعلنوا نهاية النضال، بسبب المصالحة..
وللتاريخ، ما كان لهذا المنحى أن ينجح لولا النقد الذاتي الذي أقدم عليه الملك الراحل، وهو يعلن أن من نتائج القطيعة السياسية وصراع الشرعيات، أن المغرب وجد نفسه، وهو على عتبة قرن جديد مهددا بالسكتة القلبية.\وقد كانت شجاعة الملك الراحل، في تقديم هذا النقد مقدمة أساسية في التأسيس للمغرب المتصالح، المغرب الممكن خارج أسوار الزنازن..
وقد يكون الربط بين المصالحة والنقد الذاتي، مقوما أساسيا في بناء الثقة التي طبعت الدخول إلى مغرب العهد الجديد..
وبذلك تكون المصالحة مبنية على قيم، ورؤية ومشروع كبير في بلاد تستحق كل التضحيات، وكل الاعتدال الذي يقود التاريخ……

 

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 20/09/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *